وصل الملك السعودي سلمان والوفد المرافق له (المؤلف من ألف شخص)، أمس، إلى العاصمة الإندونيسية جاكرتا، التي تمثّل المحطة الثانية في إطار الجولة الآسيوية التي يقوم بها وتستمر لمدّة شهر، ويسعى من خلالها إلى تعزيز الروابط الاقتصادية مع عدد من البلدان الآسيوية، وتوسيع الحضور السعودي في أسواقها.
وفي اليوم الأول من أول زيارة لملك سعودي إلى إندونيسيا منذ 47 عاماً، وقّعت الرياض وجاكرتا 11 اتفاقية، بحضور سلمان والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الذي أعرب عن أمله في أن تؤدي «هذه الزيارة التاريخية إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين»، معلناً استعداد بلاده لأن تكون «شريكاً استرتيجياً» للمملكة في تحقيق أهداف «رؤية 2030».
وتتضمن الاتفاقات التي تمّ توقيعها في قصر إستانه الرئاسي في العاصمة إعلاناً مشتركاً حول رفع مستوى الرئاسة للجنة المشتركة، ومذكرة تفاهم بشأن مساهمة الصندوق السعودي للتنمية في تمويل مشاريع إنمائية، وأخرى لإطار تشغيلي للنقل الجوي. كذلك تمّ توقيع برنامج تعاون في مجال قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومذكرات في المجال الصحي والتجاري، وعلى مشروع يتعلق بالمصائد البحرية والثروة السمكية. وبعيداً عن الاقتصاد، تمّ التوقيع على برنامج تعاون علمي وتعليمي، ومذكرات تفاهم متعلقة بالشؤون الإسلامية، وأخرى بمكافحة الجريمة.

من المتوقع
أن يلتقي الملك
في إندونيسيا رجال
دين بارزين

وعقب مراسم التوقيع، منح الرئيس الإندونيسي أعلى الأوسمة، «وسام نجمة الجمهورية الإندونيسية»، إلى الملك سلمان، «تقديراً لجهوده في مختلف المجالات». ومن جهته، قال سلمان إن «الحاجة تدعو لتوثيق التعاون» بين البلدين، وذلك نظراً إلى «القواسم المشتركة» التي تجمعهما، بحكم عضويتيهما في منظمة التعاون الإسلامي، وهيئة الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين التي تضمّ أكبر اقتصادات في العالم.
وفي كلمة ألقاها لهذه المناسبة، مشابهة لتلك التي ألقاها في ماليزيا قبل يوم واحد، حذّر سلمان من «التحديات التي يواجهها العالم الاسلامي، وفي مقدمتها ظاهرة الإرهاب»، مشدداً على ضرورة «تعميق الحوار بين الدول الإسلامية، والقائم على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول».
وكان سلمان قد أنهى زيارته لماليزيا ببيان مشترك للبلدين، شددا فيه على «أهمية تعزيز التعاون في كافة المجالات... وضرورة تكثيف وتضافر جهود العالم الإسلامي لمواجهة التطرف ونبذ الطائفية ومكافحة الإرهاب». كذلك أكّد البيان «أهمية الحفاظ على وحدة اليمن، والحل السياسي للأزمة على أساس المبادرة الخليجية»، معربين عن «قلقهما البالغ إزاء التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة... وعدم احترام طهران سيادة الدول».
ولإندونيسيا أهمية كبيرة بالنسبة إلى السعودية، إذ فضلاً عن أنها أكبر دولة مسلمة في العالم من حيث عدد السكّان، الذي يقدّر بأكثر من 225 مليون نسمة، فإن اقتصادها هو الأكبر في جنوب شرق آسيا، والثامن عشر عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والخامس عشر من حيث القوة الشرائية، ما يجعل البلد، الذي هو أحد الأعضاء المؤسّسين لـ«آسيان»، من الأسواق المغرية للقوى العالمية المتنافسة.
وفي حين شهد البلد ازدهاراً اقتصادياً قلّص عدد من يعيشون في فقر مدقع، فإنّ الهوة بين الأغنياء والفقراء «اتسعت بسرعة أكبر من أي بلد آخر في جنوب شرق آسيا خلال السنوات الـ20 الماضية»، وفق تقرير نشرته منظمة «أوكسفام» البريطانية، الأسبوع الماضي. ولفت التقرير إلى أن «ثروة أربعة أشخاص هم الأكثر غنى في إندونيسيا تفوق ما يملكه 100 مليون من الأكثر فقراً في البلد»، ما يعني أنه «في يوم واحد، يكسب بليونير واحد من الفوائد على ثروته أكثر بألف مرة ممّا ينفقه الأكثر فقراً على مدى سنة على حاجاتهم الأساس».
وتأمل إندونيسيا في جذب استثمارات سعودية ضخمة، فيما سجّل التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الماضية نموّاً (18 ملياراً و679 مليون ريال في 2010 إلى 30 ملياراً و75 مليون ريال في 2014)، لكنه تراجع في 2015، ليصل إلى 19 ملياراً و439 مليون ريال. ووفق التقارير الإخبارية، ستركّز الزيارة على بناء علاقات ثقافية ودينية قوية، إذ تسعى المملكة إلى الاستثمار في التعليم، وفتح المزيد من المدارس الإسلامية في إندونيسيا وزيادة عدد المنح الدراسية للطلبة.
ومن المتوقع أن يلتقي الملك السعودي رجال دين بارزين، وأن يزور أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا، اليوم، قبل أن يتوجه إلى واحدة من آلاف الجزر الإندونيسية الممتدة بين آسيا وأستراليا. وتمّ شحن نحو 460 طناً من المعدات (سيارات، وسلالم متحركة، إلخ) إلى جزيرة بالي، حيث سيمضي إجازة حتى 12 الشهر الحالي، قبل أن يستكمل جولته التي ستشمل سلطنة بروناي، دار السلام، واليابان، والصين، والمالديف، والأردن.
(الأخبار)