■ ما هي التطورات التي شهدتها معالجة مسألة المهاجرين في المغرب؟
صحيح أن المغرب يلعب دور الشرطي في مسألة المهاجرين، ولكن طريقة المعالجة لا تزال أحد بنود التفاوض بين الرباط والاتحاد الأوروبي. فحتى عام 2013، اتخذت الأمور مجرىً أمنياً وقمعياً بهدف حماية حدود المغرب الشمالية في إطار التقارب مع الاتحاد الأوروبي.

ولكن بدا واضحاً منذ بداية الألفية أن هذه السياسة مكلفة جداً، وخصوصاً في ما يتعلق بصورة الدولة المغربية. فحادثة أيلول/ سبتمبر 2005، التي فتحت القوى الأمنية المغربية والإسبانية فيها النار على مجموعة من المهاجرين أثناء محاولتها الانتقال من مدينتي سبتة ومليلية، أدت إلى تشويه صورة المغرب الدولية إلى حد بعيد. وقد ترافق هذا القمع مع ترحيل مئات المهاجرين نحو جنوب المغرب واحتجازهم لعدة أسابيع. ولكن بالنسبة إلى المغرب، الذي يحاول أن يثبت عزمه على إرساء الديموقراطية، لم تكن هذه السياسة قابلة للاستمرار. ورغم التخلي عن تلك الإجراءات القمعية بين عامي 2007 و2010، عاد المغرب إلى تطبيقها مجدداً من عام 2011 حتى عام 2013. وخلال تلك الفترة، تمت معالجة مسألة المهاجرين خارج أي سياق قانوني: فحملات اعتقال المهاجرين غير المسجلين وعمليات الطرد الجماعية نحو الحدود المغربية ــ الجزائرية (المقفلة رسمياً) والموريتانية انتهكت المسارات القانونية التي تنصّ على مواكبة المهاجرين في البلدان المضيفة.

■ ما الدور الذي لعبته الجمعيات المعنية لتحسين هذه السياسة؟

لعبت الجمعيات دوراً مهماً بدءاً من عام 2005، إذ بدأ المهاجرون بتنظيم أنفسهم عبر إنشاء مجلس المهاجرين من جنوب الصحراء، الذي يتخطى التجمعات الوطنية والجاليات ويوحّد المهاجرين بصرف النظر عن جنسياتهم بناءً على قاعدة واضحة هي صون حقوقهم. كذلك، لاحظ العديد من النشطاء المغربيين والأجانب غياب الجمعيات الهادفة إلى دعم المهاجرين والدفاع عن حقوقهم، فأسّسوا في كانون الأول/ ديسمبر 2006 مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين ومواكبتهم، التي سمحت لها السلطات بممارسة أنشطتها من دون الاعتراف بها رسمياً قبل عام 2013. وقد سمحت جمعيات حماية المهاجرين والدفاع عنهم بتوثيق حالات انتهاك الحقوق، وخصوصاً الحقوق الأساسية، أو التمييز ضد المهاجرين في مجال التعليم أو الرعاية الصحية أو السكن إلخ. وقد أدى نشر دراسات وتقارير حول هذا الموضوع على الصعيدين الوطني والدولي إلى نتائج ملموسة، إذ إنّ المغرب، الذي كان يتلقى ضغوطاً حثيثة لتحسين سياسة معالجة مسألة المهاجرين، اضطرّ إلى التحرك. وقد مارس الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص ضغوطاً على الرباط لسنّ قوانين أكثر انسجاماً مع المعايير الدولية، إذ كان لا بد من تلميع صورة المغرب لتوكيله بمهمة إدارة تدفق المهاجرين. فضلاً عن ذلك، من الجدير بالذكر أنه تم توقيع اتفاقية للشراكة في مجال التنقل بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في حزيران/ يونيو 2013، هي عبارة عن رزمة تتضمن، من جهة، التزام المغرب بمعالجة مسألة تدفق المهاجرين وتحسين الأطر القانونية ذات الصلة وصون الحقوق الأساسية والتفاوض على اتفاقية بشأن إعادة قبول الأشخاص، ومن جهة أخرى تعهد الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بتوفير الدعم المالي اللازم لتطبيق هذه السياسات. وفي أيلول/ سبتمبر 2013، كانت لجنة حماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وهي جهاز الأمم المتحدة المكلف بالإشراف على تطبيق الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، تستعدّ لنشر تقريرها الذي يدين الرباط. ولا بد من التذكير بأن المغرب، الذي بدا متحمساً بادئ الأمر لتبني هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1992، لم يقدم تقريره الدوري الأول إلا عام 2012، أي بعد تأخير مدته 10 سنوات. وقد قام المجتمع المدني المغربي بردّ فعل منسّق عبر إعداد تقرير نقدي بديل حول تردد الرباط في تطبيق هذه الاتفاقية. إلا أن الحكومة المغربية آنذاك استبقت ردود الفعل عبر الطلب من المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان نشر تقرير بدوره حول الموضوع. ولكن المجلس كان يسعى منذ سنوات عدة إلى توعية السلطات حول هذه المسألة من دون أن يلقى أي استجابة. وفي اليوم الذي افتُتحت فيه جلسة لجنة الأمم المتحدة للنظر في تقرير المغرب، أعلن الديوان الملكي أنه اطلع على تقرير المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان وطلب من الحكومة وضع سياسة جديدة قائمة على استنتاجات اللجنة وتوصياتها كما لو كان ذلك قراراً سيادياً مبنياً على الإجراءات الوطنية العادية. وقد ثبت أن هذه المناورة كانت مثمرة جداً.

■ ما هو تقويمكم للوضع منذ الشروع في اتباع هذه الاستراتيجية؟

مبدئياً، لقد تم الإعلان عن نية في تحديث الأطر القانونية لتتضمن تشريعات حول اللجوء السياسي والهجرات والكفاح ضد الإتجار بالبشر وعمليات تسجيل المهاجرين غير النظاميين وإعداد استراتيجية وطنية لدمجهم. ولكن إطلاق عملية تنظيم وضع المهاجرين كان صعباً، إذ جرت بطريقة أحادية ومقيّدة وبمعايير صعبة التطبيق وسط مناخ من انعدام الثقة. علاوة على ذلك، لم يتم تحديث الأطر القانونية بعد، فالقانون الوحيد الذي تمّ اعتماده حتى الآن هو قانون الكفاح ضد الإتجار بالبشر. وفي الواقع، يهدف هذا القانون فقط إلى تجريم الهجرة لأنه يعتبر المهاجرين غير النظاميين ضحايا أنشطة الإتجار بالبشر ويقدم لهم حصراً مساعدة للعودة إلى بلدانهم. وصحيح أنه تم إنشاء دائرة لشؤون الهجرة في وزارة المغاربة المقيمين في الخارج، التي تُعنى حالياً بشؤون الأجانب في المغرب أيضاً، ولكن مسؤولية إعداد استراتيجية وطنية لدمج المهاجرين وكّلت إلى ديوان استشاري يعقد اجتماعات لتبادل المعلومات، وبالتالي فإن العمل الفعلي محدود.
إضافة إلى ذلك، فإن التغيير الملموس الوحيد الذي أُجري هو وقف عمليات القمع في جميع المناطق المغربية، باستثناء الحدود الشمالية، حيث لا تزال المعالجة تتخذ طابعاً أمنياً. فلم يعد المهاجرون يتعرضون لعمليات قمع منذ صدور القرار بوقفها، بل أصبحوا يُنقَلون إلى داخل البلاد. أما استراتيجية الدمج فلا تزال تراوح مكانها، علماً بأن الخطوات التي اتخذت فعلياً حتى الآن هي فقط تلك التي نصت عليها ملاحق اتفاقية الشراكة في مجال التنقل بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي يموّلها هذا الأخير. وفي ما يخص الخطوات القليلة الكلفة بالنسبة إلى المغرب والتي تسمح بتحقيق تقدم في مجال الحقوق الأساسية (وخصوصاً في ما يتعلق بالأحوال المدنية للأطفال الذين يولدون في المغرب)، لم يُسجَّل أي تقدم بعد. ومع أنه تم السماح رسمياً لأطفال المهاجرين بالحصول على التعليم، إلا أنهم لا يزالون محرومين من الرعاية الصحية.

■ كيف كانت ردود فعل الجمعيات على هذه السياسة الجديدة؟

بقيت التغييرات محدودة. تبدي بعض قطاعات الدولة رغبة في المضي قدماً، ولكن وزارة الداخلية تعرقل الجهود. وفي ظل هذا الوضع المعقد وصعوبة فهمه وإدارته، تتعدد مواقف الجمعيات. فبعضها يعتبر أنه لا رغبة لدى الحكومة في إجراء تغيير حقيقي، ولذا تقف هذه الجمعيات في صفّ المعارضة المباشرة للحكومة، ولكن قد يبدو هذا الموقف كاريكاتورياً، إذ إن الاعتقالات وعمليات القمع توقفت بالفعل. في المقابل، فإن الجمعيات التي يعتمد وجودها على الجهات المانحة الدولية والوطنية والتي لا تعمل إلا لإعداد مشاريع مدعومة من الممولين فهي منخرطة تماماً في الإطار الذي تفرضه السلطات. أما مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين ومواكبتهم، التي تتمتع ببعض الاستقلالية تجاه كل من السلطات والجهات المانحة، فقد تبنّت خطاً رسمياً مقنعاً بعد عام 2013، يقوم على الاطلاع على التطورات والتيقظ مع الاستمرار في فضح الانتهاكات. ولكن في الواقع، يطغى الخطاب الذي يركز على الجوانب الإيجابية، ولم يعد الكفاح ضد الانتهاكات يلقى الاهتمام اللازم. وبالتالي، يسود وهم القدرة على التغيير الفعلي في إطار هذه الاستراتيجية الحكومية.

■ ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر اليوم لكي نشهد تطورات فعلية في معالجة مسألة المهاجرين؟

على الصعيد الداخلي، يجب اتخاذ موقف حازم ومواصلة توثيق الانتهاكات ومراكمة الجهود والضغط على السلطات، لأن الحكومة لا تهتم في نهاية المطاف إلا بتلميع صورتها أمام باقي الدول. ومن المهم أيضاً أن يعزز المهاجرون تنظيمهم، ولكن المؤسف هو أن هذه السياسة الجديدة القائمة على إعداد المشاريع المدعومة من الممولين والتي تندرج في إطار استراتيجية الدمج تزعزع جهود المهاجرين. لذا، فقد أضعف هذا الوضع المنظمات التقليدية التي تسعى جاهدة لنيل اعتراف الدولة الرسمي، مع العلم بأن الاعتراف بها هو أحد الشروط التي وضعها المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان. كذلك، فإن أحد العوامل المساعدة على التغيير هو السياسة الأفريقية للقصر الملكي الذي يسعى إلى زيادة نفوذه في القارة. ولكن الآثار الإيجابية لهذه السياسة تصطدم بموقف بلدان المنشأ التي لا تهتم إطلاقاً لمصير رعاياها، والدليل على ذلك هو وضع المهاجرين السنيغاليين المجبرين اليوم على مواجهة السلطات المغربية وممثلي السنيغال الدبلوماسيين العاجزين عن حمايتهم على حد سواء، وذلك بالرغم من علاقات الصداقة والتبادلات التجارية المتميزة بين البلدين.