أظهرت وثائق صادرتها الولايات المتحدة الأميركية بعد هجومها على منزل زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، في أبوت أباد في باكستان عام ٢٠١١، اهتمامه الخاص بالانتفاضة القائمة في اليمن على حكم علي عبد الله صالح. وتبيّن الوثائق أنَّ الانتفاضة على صالح خلطت الأوراق بالنسبة إلى التنظيم في اليمن، الذي طلب رأي زعيمه ومشورته.
وفي رسالة موجهة من ابن لادن، إلى زعيم التنظيم في اليمن أنور العولقي، الذي قتل قبل سنوات، قال الأول إنَّ «الحرب في الیمن وفي جزیرة العرب مع النظام المحلي المرتد فیهما لیس مناسباً الآن، والواجب هو أنَّ نوجه كل طاقتنا وقدراتنا وإمكاناتنا إلى ضرب الرأس، وهو أميركا، والتركیز على العمل الخارجي».
كذلك، ركز ابن لادن على ضرورة «الاشتغال بضرب الرأس وتفادي أي معارك جانبیة یجرنا إلیها الأميركان عبر وكلائهم»، مضيفاً: «على كل سهم وكل لغم یمكن أن يستهدف الأميركیون به وهناك غیرهم ینبغي صرفه نحو الأميركیین دون غیرهم». وذكر في رسالته أنَّ «حرب العراق هي حرب الأمس، وحرب أفغانستان هي حرب الیوم... وإنَّ حرب الغد هي حرب الیمن»، لأنها «أكبر مخزون نفطي في العالم كما تعلمون، إضافة إلى أنَّ أهلنا وعشائرنا هناك».
ومع استمرار «الحراك الشبابي» في اليمن، طلب ابن لادن من أنصاره الهدوء ومراقبة الأوضاع مع عدم مواجهة الحكومة أو القبائل. وفي رسالة إلى «الشباب المسلم في اليمن»، قال «زامراي» (لقب ابن لادن في الرسائل)، إنَّ «الساعة الزمنية لليمن شبه متوقفة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فلن يضرَّ اليمن أن تتوقف لبضعة أسابيع أو بضعة أيام، بإضراب شامل لطلاب المدارس والجامعات ليخرجوا منكرين على الحاكم الظالم».

حرب الیوم هي أفغانستان وحرب الغد هي حرب الیمن



وأظهرت الرسائل أنَّ عناصر «القاعدة» في اليمن كانوا متحمسين أكثر من زعيمهم لإعلان قيام «الدولة الإسلامية». ففي رسالة إلى «المجاهدين»، أوضح ابن لادن لأنصاره أنه إذا كان «التصعيد دون توافر المقومات المطلوبة، فهذا يعني أموراً خطيرة جداً»، مضيفاً: «اليمن هي أكثر الدول العربية المؤيدة لإقامة الدولة الإسلامية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّ الوقت قد حان وأنَّ المقومات الأساسية اللازمة لنجاح هذا المشروع قد اكتملت».
لذلك، «يزداد حرصنا على المحافظة عليها والنظر بدقة وروية للتأكد من اكتمال العدة المطلوبة»، ثم سأل: «هل خططتم وأعددتم للجهاد في هذا التوقيت آخذين بعين الاعتبار تناسب القوى بينكم وبين الأعداء المحليين والإقليميين والدوليين؟ أم أنكم وجدتم أنفسكم نتيجة لبعض أفعال الدولة وردود الإخوة عليها في خضم المعركة، بدا لكم أن تواصلوا إضعاف حكومة اليمن، ألم تنظروا إلى الجيوش الكافرة خلف الحكام (الكفر العالمي والإقليمي)؟ ينبغي أن نأخذ تلك القوى في حساباتنا العملية وليس النظرية فقط».
بعد ذلك، أوضح أنَّ إقامة الدولة لا تقف عند الحدود العسكرية، بل هناك الشقان الاقتصادي والاجتماعي اللذان تجب إدارتهما وتوفيرهما لليمنيين، فيما طلب ابن لادن من عناصر «القاعدة» الاستفادة من الفوضى ونشر «الدعوة لقيام الدولة الإسلامية».
وبرغم دعمه «الحراك الشبابي» ودعوته أنصاره إلى استغلاله، وكرهه الشديد «لوكيل السعوديين والأميركيين» صالح، فإنه رأى أنَّ نظام صالح «أقل سوءاً بكثير لو جاء علي سالم البيض (رئيس جمهورية اليمن الجنوبي السابق) الذي له سابقة في الفتك بالإسلاميين، فإنه إن تسلَّم السلطة سيبطش بالحركة الإسلامية بجميع طوائفها وسيبدأ بالفكر الجهادي». لذلك رأى ابن لادن أنَّ «القول بإزالة الحكومة المرتدة وبقاء البلد في حالة فوضى أفضل من بقاء هذه الحكومة المرتدة غير صحيح».
وتساءل: «كيف يمكن نشر دعوتنا مع وجود الفوضى؟ كما أنه في ظل دولة ليس فيها حاكم يرسي قواعد الأمن بين الناس فتظهر وحشيتهم بشكل كبير ويصبح همّ الناس المحافظة على الدم والعرض ويكون هذا هاجسهم دون سواه». بهذه الطريقة، «ستشارك دول المنطقة في دعم كيان الحزب الاشتراكي وهم معبّؤون ضد الإسلاميين، وبذلك نكون قد هيّأنا الأجواء والقوة التي ينتظرها خصمنا منذ أكثر من عقد ونصف».