«باسل عاش ومات وهو ينادي بوحدتنا، أحبابي لا تضرّوا ببعضكم بعض»، لم يكد والد الشهيد باسل الأعرج، محمود، ينهي كلمته أمام مقر محكمة الصلح في مدينة رام الله، وسط الضفة المحتلة، حتى انهالت القوى الأمنية الفلسطينية عليه وعلى المعتصمين بالضرب وبالسحل أمام أعين الكاميرات، فيما نال من الصحافيين بصورة خاصة رجال الأمن.
وكان هذا الاعتصام قد تزامن مع محاكمة السلطة الشهيد الأعرج ورفاقه الخمسة (أربعة منهم أسرى في سجون العدو) بتهمة حيازتهم «سلاحاً غير شرعي». وأظهر مقطع مصوّر سُرّب من داخل الجلسة كيف تمت المحاكمة بصورة روتينية باردة، بعدما قدمت النيابة العامة (المدّعي) إلى القاضي بلاغاً يفيد باستشهاد باسل في السادس من الشهر الجاري، مرفقاً معه إفادة رسمية من «هيئة الأسرى» بأن أربعة آخرين معتقلون إدارياً لدى العدو. أما الخامس، فلم يسمح لمحامي الدفاع عنه بالحديث، ولم يُعطَ الفرصة الكافية للدفاع عن موكله.

تزامن قمع المتضامنين
مع مسيرات احتجاج أمام
السفارات الفلسطينية


خارج القاعة، لم يكترث عناصر الأجهزة الأمنية لوالد الشهيد الذي لم يدفن ابنه بعدما صادر جيش الاحتلال جثمان ولده، وحتى لوجود الأسير المحرر خضر عدنان، وما يمثله هذان الاثنان في الوجدان الفلسطيني. فهجم عناصر الأمن على المعتصمين، وضربوا والد الشهيد الذي أصيب برضوض في رقبته وظهره، كما اعتُدي على النسوة والصحافيين الذين كانوا موجودين للتغطية، وجُرح منهم الزميل أحمد ملحم. وبعد الاعتداء على المعتصمين، اعتقلت أجهزة أمن السلطة خضر عدنان لمدة قصيرة قبل إطلاق سراحه. وقالت شيرين، شقيقة الشهيد الأعرج، لـ«الأخبار»، عن قمع الأجهزة الأمنية للاعتصام، إنه «استكمال السلطة لوظيفتها التي أقيمت من أجلها، وهي إراحة الاحتلال من المواجهة مع الشعب، وذلك عن طريق قمعه بكل الطرق». وأضافت: «باسل تحول إلى أسطورة ومثال يحتذى به، وأصبح منهجه وفكره يشكلان خطراً كبيراً على الاحتلال، ويجب كسر هذه الاسطورة وتخويف من يفكر في انتهاج نهجه، وبالتالي العنف المستخدم اليوم (أمس) هو استكمال للاعتقال والتعذيب، والذي قامت به السلطة تيسير لعملية تصفية باسل».
رغم ما حدث، أكملت محكمة الصلح عملها وقررت انقضاء محاكمة الشهيد الأعرج، بسبب «انتهاء القضية بموت المتهم»، لكنها استكملت مقاضاة رفاقه، محمد حرب وهيثم سياج ومحمد السلامين وعلي دار الشيخ وسيف الإدريسي، وتأجيل محاكمتهم حتى 30 نيسان المقبل. ورأت الأعرج أن المحاكمة «شكل من أشكال القمع». وسألت «على ماذا يحاكمون باسل؟ على فعل نضالي ضد الاحتلال؟ كيف سلطة «وطنية» تحاكم على هذا؟ أليس من المفترض أن يكون هذا دورها في الاصل إذا كانت وطنية فعلاً؟». أضافت: «ليست السلطة أكثر من إدارة مدنية للاحتلال العسكري فتحاكم كل من يحارب الاحتلال، واستكمال المحاكمة هو إمعان في القمع ليس أكثر، يعني للقمع أشكال عدة، منها الضرب والاعتقال ومحاكمة الثوار والسكوت عن كل أشكال التهويد، لا بل وإسكات كل من يعلن رفضه لهذا الواقع».
واستفزّ الحدث الجمهور الفلسطيني في الداخل والخارج، خاصة أن أجهزة أمن السلطة تتصرف كأنها ذراع أخرى من أذرع جيش العدو، فيما يتصرف «الأمن الوقائي» تحديداً كأنه وحدة من وحدات «اليمام» الإسرائيلية الخاصة، إذ توكل إلى الجهاز مهمة قمع المعتصمين وضربهم، إضافة إلى مطاردة المقاومين ودهم بيوتهم بعد يوم واحد من دهم جيش العدو لها.
التنسيق الأمني ليس حكراً على أجهزة السلطة فقط، بل هناك تنسيق قضائي بين السلطة والعدو؛ ووفق المعلومات السابقة، فإن السلطة خلال تحقيقها مع الأعرج ورفاقه العام الماضي، كانت ترسل التحقيقات مباشرة إلى الإسرائيليين.
تزامناً مع محاكمة الأعرج ورفاقه والاعتداء على المحتجين خارج قاعة المحكمة، اعتصم عشرات المتضامنين في غزة وأمام عدد من السفارات الفلسطينية في العواصم العربية رفضاً لمحاكمة المقاومين وسياسة التنسيق الأمني. وشهدت العاصمة اللبنانية بيروت اعتصاماً أمام السفارة الفلسطينية، كذلك اعتصم عشرات الشبان أمام السفارة في العاصمة الأردنية عمان. وردّد المعتصمون من فلسطينيين وعرب هتافات ندّدت بالتنسيق الأمني وبرئيس السلطة محمود عباس.
في غضون ذلك، أصدرت «نقابة الصحافة الفلسطينية» بياناً دعت فيه «جميع الزملاء الصحافيين لارتداء دروعهم يوم غد (اليوم) الساعة الرابعة عصراً على دوار المنارة، رفضاً لاعتداء الأجهزة الأمنية على الصحافيين في رام الله اليوم (أمس)». وهذه الخطوة تصعيدية من الزملاء الصحافيين ضد أجهزة السلطة، لأنه من المعروف أنهم لا يرتدون دروعهم إلا خلال المواجهات مع الاحتلال.
لم تكتف السلطة بالقمع الذي مارسته في رام الله، فهاجمت مساء أمس مسيرة تضامنية مع عائلة الشهيد الأعرج في مخيم الدهيشة في بيت لحم، وأطلقت الرصاص الحي في الهواء وقنابل مسيلة للدموع على المتظاهرين. كذلك، اقتحم العدو خيمة الاعتصام التي أقامها المتضامنون مع عائلة الأعرج في قريته الولجة في بيت لحم، وكسّرت محتوياتها ومزقت اليافطات.