غزة | لم تكد الحرب الإسرائيلية تنتهي على قطاع غزة صيف العام الماضي، حتى سارعت وزارة الداخلية التابعة لحكومة «حماس» السابقة إلى تخريج دورات لصف ضباط وضباط الوزارة، برغم أن حكومة التوافق كانت قد شكلت بالاتفاق مع «فتح». دورات متتالية ــ نحو أربع ــ تتحول إلى استعراضات عسكرية ومهرجانات خطابية لقادة «حماس»، برغم أن الحركة واقعة تحت ضغط أزمة مالية تعوق عمل أجهزتها الأمنية «على ذمتها»، كذلك تجري هذه الدورات من دون تواصل مع رئيس «التوافق» رامي الحمدالله الذي يحمل حقيبة «الداخلية».تكثر الشائعات حول سبب هذه الدورات، ما بين التأهيل الجسدي وزيادة عديد الضباط والرتب الوسطى من بين الجنود، وأخرى تتحدث عن «شو» إعلامي إلى جانب رسائل إلى رام الله وأطراف أخرى بشأن الاستعداد والجاهزية، ولكن «داخلية غزة» لها رواية أخرى.

ومن باب الإشارة، فإن الفراغ الذي تركته حكومة الحمدالله لم يؤثر كثيراً على المنظومة الأمنية في غزة، فمن المعروف أن منتسبي الأجهزة الأمنية يعملون فيها وفق انتماء عقائدي، وهو ما يدفعهم إلى العمل برغم غياب الرواتب المنتظمة والكاملة لأكثر من عام.
تؤكد الوزارة أنه لم يفتح باب الانتساب لموظفين جدد منذ عامين

وتؤكد «الداخلية» في غزة أنها لم تضم أي منتسب جديد إلى أجهزتها الأمنية طول العام الماضي لوجود «التوافق»، ولكنها تعمل في الوقت نفسه على تطوير قدرات ضباطها ومجنديها كما يتيح لها القانون العسكري. وأكدت مصادر من الوزارة أن ضباطها ومجنديها كافة يخضعون لتدريبات تنقسم إلى قسمين: الحتمية أو التخصصية، وذلك في إطار تطوير قدراتهم وتهيئتهم ليكونوا على جاهزية في التعامل مع الميدان والجمهور.
وذكر المتحدث باسم «الداخلية»، إياد البزم، أنه جرى تخريج 18 ألف منتسب في الوزارة خلال المدة الماضية في عدة دورات، موضحاً أن «الهدف هو تأهيل الضباط لتنفيذ مهماتهم الميدانية»، ويشرح أن «التدريبات العسكرية تأتي بأثر رجعي، لأن الانتساب إلى الأجهزة الأمنية في بداية 2007 ــ بعد استنكاف التابعين لحكومة رام الله وترك فراغ كبير ــ دفع وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام إلى تشكيل قوة تنفيذية واستيعاب أكبر عدد من المنتسبين إلى الوزارة دون أن يخضعوا لأي تدريبات».
وسياسة التأهيل تم تفعيلها لدى «حماس» مع اتخاذ قرار عام 2010 بإنشاء المديرية العامة للتدريب كإدارة عامة ومستقلة عليها التركيز على تدريب العناصر والضباط، وإلى جانب اللياقة البدنية، يجري تزويدهم بالعلوم الأمنية النظرية، وكذلك الإنسانية.
يضيف البزم: «بانتصاف العام المقبل يكون جميع كوادر الداخلية قد خضعوا للتدريبات العسكرية القانونية، وانتهت دورات التأهيل الخاصة بهم ليكون الضباط على كفاءة»، مستدركاً: «ثمة فرق كبير بين رجل الأمن إبان سيطرة حماس على القطاع، ورجل الأمن الحالي».
في السياق، يؤكد خبير أمني في غزة ــ لم يرغب في كشف اسمه ــ أن بناء المنظومة الأمنية في حكومة «حماس» جاءت لتعبئة الفراغ في غزة، وفي ظل تزايد «انتقادات مؤسسات حقوق الإنسان التي كانت ترصدها ضد منتسبي الأجهزة الأمنية». ويقول: «حماس تعي جيداً أن قدرتها على التعامل مع الجمهور يساعدها على البقاء أكثر في الحكم، بل حجز حصة أكبر بين الموظفين في حال دمج الموظفين تحت إطار السلطة، لذلك هي مشغولة هذه الأيام بتأهيل ضباط الصف والضباط وإخضاعهم لدورات تدريبية تؤهلهم لعمليات الترقية الطبيعية وفق القانون العسكري لاحقاً».
وتقول مصادر في غزة إن عمليات الترقية متوقفة حالياً، بناء على رفض وزير الداخلية (رامي الحمدالله) الذي لا يزال يقاطع الأجهزة الأمنية في غزة، ولكن البزم أكد أنه لا تغيير على هيكلية الأجهزة ولم تجرِ ترقية أي من منتسبيها. كذلك يشدد على أنه «لم يضف أي منتسب جديد إليها منذ تولي الحمدالله رئاسة الحكومة... ثمة لجنة لدمج الأجهزة الأمنية وتطويرها تعمل بصورة مهنية وقانونية، وإذا ما قارنا بعدد الرتب بين غزة والضفة فهناك فرق شاسع».
وكان وزير الداخلية السابق في حكومة «حماس»، فتحي حماد، قد عمد على تشكيل «إمبراطورية أمنية» واهتم ببناء كلية للشرطة في غزة، في ظل أن الراغبين في الالتحاق بالكليات العسكرية لا يستطيعون السفر، وإذا درسوا في الخارج فقد لا يستطيعون العمل ضمن المنظومة الفلسطينية. وفي هذه الكلية، يدرس المنتسبون لمدة أربع سنوات ثم يحصلون على درجة البكالوريوس (الليسانس) ويحصلون على رتبة ملازم في الأجهزة الأمنية، كذلك افتتح تخصصاً للعلوم البحرية الأمنية.
إلى ذلك، تشرح مصادر أخرى في «الداخلية» أنه في حال استيعاب منتسبين جدد فإنهم يكونون للتعويض عن الشهداء الذين فقدتهم الوزارة خلال ثلاث حروب شنتها إسرائيل على غزة طوال ثماني سنوات ماضية، ولكن هذا الانتساب «يكون ضمن ظروف معينة غير متاحة للجميع، ويصرف راتب العسكري للشهيد». ويبين البزم أن العجز ناتج من غياب 1100 شهيد، ومنذ مدة توقف الانتساب الجديد بالكامل، وكانت آخر دورة انتساب لـ400 عنصر قبل عامين.