حملت انطلاقة اجتماعات أستانة المنقوصة، بغياب وفد فصائل المعارضة المسلحة، إشارة واضحة إلى الرغبة التركية في عرقلة مسار أستانة مؤقتاً، إلى حين اكتمال تفاصيل مشهد الشمال السوري بما قد يحمله من مساومات تركية مع الجانبين الروسي والأميركي.ورغم تأكيد موسكو توصلها مع الجانب المعارض لحثّه على الحضور، والتخلي عن الحجج «غير المقنعة» التي قدمها، فقد تمت الجلسات الاستشارية الأولية بين وفود الدول الراعية وفق المقرر، إلى جانب الاجتماعات المقررة مع الجانب الحكومي السورية، وسط إصرار روسي على أن أجندة الاجتماعات تتضمن نقاطاً عديدة لا يؤثر فيها غياب الجانب المعارض.

ومع غياب تصريحات واضحة من أنقرة، حول غياب الوفد المعارض المحسوب عليها، برز تحرّك جديد استضافته تركيا، لإطلاق «جيش عشائري» عربي، يعلن عداءه لجميع القوى الموجودة في منطقتي الجزيرة السورية وحوض الفرات، باستثناء الأميركيين والأتراك.
إذ عقد عدد من زعماء العشائر العربية السورية في منطقتي الجزيرة وحوض الفرات، اجتماعاً في مدينة أورفا جنوب شرق تركيا، لـ«بحث سبل إقامة جبهة موحدة ضد الإرهاب». ورفع الاجتماع الذي حضره نحو خمسين من زعماء العشائر في الرقة ودير الزور والحسكة، شعار «معاً لإنهاء احتلال (الرئيس السوري بشار) الأسد وروسيا وإيران وحزب الله وداعش وحزب الاتحاد الديمقراطي». وأوضح بيان صدر في ختام الاجتماع موقَّع باسم «شيخ قبيلة الجبور» والصحافي، مضر حماد الأسعد، أن الهدف الرئيسي كان «مناقشة مقترحات لإنشاء قوة عشائرية معنية بتطهير المنطقة من الإرهاب»، مؤكداً أن «الجسم العسكري الجديد سيقوده ضباط منشقون عن جيش نظام الأسد وضباط من الجيش الحر».
وفي خلال الكلمة الافتتاحية للاجتماع، طالب «شيخ عشيرة الشعيطات»، رافع عكلة الرجو، المجتمع الدولي بدعم هذا التحرك «الرامي إلى القضاء على إرهاب (داعش) و(حزب الاتحاد الديموقراطي) ونظام الأسد من مناطق الجزيرة والفرات»، مشدداً على ضرورة أن تستجيب الولايات المتحدة الأميركية لهذا النداء.
ويظهر من طبيعة الإعلان، أن هذا «الجسم العسكري» الجديد قد يشكّل مرتكزاً جديداً لكل من أنقرة وواشنطن، لإقحامه في معارك «التحالف الدولي» البرية كقوة عربية تمثل سكان منطقة الفرات. إضافة إلى أنه سيلعب دوراً ضاغطاً على موسكو، التي تتمتع حالياً بعلاقات جيدة نسبياً مع جميع القوى الموجودة في الشمال السوري، وهو ما سمح لها بالتحرك في غرب منبج وإنجاح الاتفاق الذي أسهم بدخول القوات السورية إلى تلك المنطقة.

اقترحت موسكو تشكيل
لجنة تتولى وضع مشروع
دستور جديد لسوريا

وترافق هذا الحراك، بإعلان مشابه عن إنشاء «حركة الإنقاذ الكردية» في منطقة عفرين، التي يظهر من الشريط الذي بثته عبر «يوتيوب» أنها غير موالية لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» ويشير شعارها وعلمها إلى تقارب محتمل لها مع قوات «البيشمركة» في كردستان العراق.
وفي خلال اليوم الأول لمحادثات أستانة أمس، عقد اجتماع تشاوري بين الوفدين الروسي برئاسة مبعوث الرئيس الخاص إلى سوريا، الكسندر لافرينتيف، والوفد الإيراني برئاسة مساعد وزير الخارجية حسين جابري أنصاري. ولفت لافرينتيف إلى أن تحديد مناطق انتشار تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» سيكون إحدى أهم المسائل التى تبحث في الاجتماعات، لافتاً وفق ما نقلت عنه وكالة «نوفوستي» الروسية، إلى أن «الشركاء في إيران والأردن يدعموننا في هذه النقطة». وأضاف أن «اجتماع أستانة يتواصل ويتقدم إلى الأمام، بغض النظر عن وجود أو غياب ممثلي المعارضة المسلحة». وقال إن بلاده «لم تتلقّ إيضاحات إضافية من (المعارضة) حول مطالبها... ومن دون وجودهم سيكون من المستحيل وضع خريطة الفصل عن الإرهابيين»، معرباً في الوقت نفسه عن أمل بلاده «في ظهور نهج بنّاء لدى تركيا بشأن مسألة التوافق على تلك الخريطة».
وأضاف لافرينتيف أنه اقترح تشكيل لجنة تتولى وضع مشروع دستور جديد لسوريا، مشيراً إلى أن الاقتراح قد نُقل إلى وفد دمشق لدراسته وتقرير ما هو مناسب. وأعرب عن اعتقاده بعدم جواز اقتصار النقاش في أستانة على القضايا العسكرية وحصر بحث المسائل السياسية في جنيف. واستبعد حضور وفد المعارضة المسلحة، اليوم إلى أستانة، مشدداً على أن غيابه لا يقلل من أهمية المباحثات.
وفي مؤتمر صحافي على هامش الاجتماعات، أشار رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، إلى أن الوفد الحكومي لم يحضر للاجتماع مع وفد الفصائل المسلحة، بل «لنلتقي بضامنين هما إيران وروسيا»، مؤكداً أن «عدم حضور الفصائل المسلحة يخدم وجهة نظر الحكومة السورية». ورأى أنه «عندما يخلّ أحد الضامنين بالتزاماته، وأعني بذلك تركيا، فهي من يجب أن يسأل عن حضور هذه المجموعات».
وبالتوازي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم أمس، إن وزارة الدفاع الروسية تتواصل مع زعماء المعارضة السورية الذين قاطعوا جولة أستانة، مضيفاً في الوقت نفسه أن الأسباب التي قدمتها الفصائل لعدم الحضور «غير مقنعة». ومن جهته، وصف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن المحادثات «معقدة للغاية، بسبب اختلافات كبيرة في أساليب مختلف البلدان».
(الأخبار)