إسطنبول | مع تنامي الحديث عن قرب اكتمال خريطة كيانٍ كرديّ شمال سوريا بالتزامن مع المكاسب التي تحققها «وحدات حماية الشعب» الكردية عبر سيطرتها على المزيد من المساحات في تلك المنطقة، كشفت تركيا عن موقفها الرسميّ في هذا المجال، إذ أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلكيج، رفض بلاده المطلق لأي «كيانٍ كردي» في شمال سوريا. وقال إن أنقرة «تراقب التطورات هناك عن كثب، ولن تتردد في اتخاذ أي موقف عملي لحماية أمنها ومصالحها في المنطقة».
إعلان بيلكيج جاء بعد سلسلة من الاجتماعات المهمة التي شهدتها أنقرة في هذا الشأن، بدأت بلقاء رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو مع رئيس الأركان نجدت أوزال، ثم مع رئيس الاستخبارات حقان فيدان، وأخيراً مع الرئيس رجب طيب أردوغان. وانتهت هذه المشاورات بلقاء رباعي لمناقشة كل التفاصيل الخاصة بالوضع العسكري والأمني والسياسي في شمال سوريا. وتحدثت المعلومات الاستخبارية التركية المتداولة في وسائل اعلام تركية عن «مساعي الأكراد لطرد العرب والتركمان من قراهم ومنع آخرين من العودة إلى تل أبيض والقرى المحيطة بها بعد طرد داعش منها». وتحدثت هذه المعلومات عن «نقل أعداد من العائلات الكردية العراقية إلى شمال سوريا وإسكانها في القرى الحدودية بعد تسليحها ودفع ١٠ آلاف دولار لكل شخص». وكانت الحكومة التركية قد عقدت ليلة أول من أمس، اجتماعاً استثنائياً لمناقشة الأوضاع السورية، حضره نجدت أوزال ورئيس الاستخبارات، وجرت خلاله مناقشة التدابير التي ستتخذها تركيا لمواجهة كل الاحتمالات. وقال داوود أوغلو إنه «أمر رئاسة الأركان كي تكون على أهبة الاستعداد على طول الحدود مع سوريا»، مشيراً في حديثه للتلفزيون الحكومي، إلى أن «الأكراد يسعون إلى تغيير الخريطة الديموغرافية في المنطقة وهو ما سيعني خريطة المنطقة بالكامل». واتهم رئيس الحكومة الاكراد «بالتعاون تارةً مع النظام وطوراً مع تنظيم داعش»، مشيراً إلى أن تل أبيض «لم تشهد اشتباكات جدّية مثل التي اندلعت في عين العرب».
وتحدثت المعلومات الصحافية عن قلق حكومي جدّي من التطورات شمال سوريا مع احتمالات انفجار الوضع الأمني أيضاً بين الأكراد والتركمان في عفرين والمناطق المحيطة بها الخاضغة لسيطرة «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» و»داعش» والمجموعات التركمانية المدعومة من أنقرة.
مصادر دبلوماسية قالت إن الحكومة «لن تنفذ أيّاً من تهديداتها للأكراد لأنها تعرف جيداً أنهم مدعومون من قوات التحالف الدولي، وهذا ما سيدفعها إلى المزيد من التنسيق مع واشنطن»، التي تضغط على أنقرة بصورةٍ جدّية في موضوع الحرب على «داعش». وسيعني ذلك أن أنقرة ستقبل الأمر الواقع المفروض عليها في شمال سوريا إذا كان ذلك مطلوباً من واشنطن. ومعروفٌ مدى تأثير واشنطن على التوازنات التركية الداخلية وخصوصاً في هذه المرحلة التي يسعى خلالها أردوغان إلى إقناع حزب «الحركة القومية» بتأليف حكومة ائتلافية مع حزب «العدالة والتنمية» من أجل ضمان بقائه في السلطة بصلاحياته الحالية.
ومن المتوقع أن يمثل مثل هذا الائتلاف استفزازاً لأكراد تركيا بعدما فاز حزب «الشعوب الديموقراطي» بثمانين مقعداً في البرلمان، وحصل على أغلبية ساحقة من الأصوات في جميع الولايات جنوب شرق البلاد، بحيث أصبح الحزب المذكور، وهو الجناح السياسي لحزب «العمال الكردستاني»، يسيطر سياسياً على الولايات التي تحدّ أرمينيا وإيران والعراق وسوريا. وسيضع مثل هذا الحساب الحكومة والدولة التركية أمام تحديات صعبة ومعقدة اذا تحالف «العدالة والتنمية» مع «الحركة القومية» اليميني المتشدد والمعروف بعدائه للأكراد في تركيا والمنطقة. وقد يؤدي موقف «الحركة القومية» إلى رفع الحكومة الجديدة لتبني سياسة معادية لأكراد سوريا تحت شعار «التدخل ضد داعش»، إن كان في المنطقة الشرقية أو في شمال حلب والمناطق المجاورة من عفرين، أي إدلب وجسر الشغور وحارم وريف اللاذقية، ما يصبّ أيضاً في حماية التركمان.