ومفهوم أيضاً، أن تُجري إسرائيل مناورات جوية وغير جوية مشتركة مع دول الحلف الأطلسي. لكن أن يشارك الإسرائيلي والإماراتي والغربي، في مناورات جوية مشتركة وخلال أقل من عام، فذلك ينطوي على الكثير من المعاني والدلالات العسكرية والاستراتيجية.
فمن هي هذه الجهات التي تتدرب هذه الدول مجتمعة على مواجهتها؟ ووفق أي سيناريوات يناورون ويتدربون؟ وما هي الساحات التي يعززون مستوى التنسيق بينهم على مواجهتها؟
ينبغي الإقرار بأن الفضل في هذا السبق يعود حصراً للسعودية، مع أنه لم يتم الإعلان حتى الآن عن مشاركتها في مثل هذه المناورات مع إسرائيل. فهي التي مهدت الطريق، ونقلت التطبيع في العلاقات والتنسيق من المستوى السري إلى المستوى العلني. لذلك لم يكن مفاجئاً الإعلان عن تكرار الإمارات المشاركة في مثل هذه المناورات مع إسرائيل، بعدما وفّرت السعودية المظلة لكل من يريد «الارتقاء» في طبيعة العلاقة العلنية ومستواها مع كيان العدو.
وفق المسار الطبيعي لتطور العلاقات، عادة ما يتم الارتقاء إلى مرحلة المناورات العسكرية المشتركة مع من كان يفترض أنه عدو الأمة والشعب والوطن، بعد مسار تمهيدي ومقدمات سياسية، يتم خلالها بلورة رؤى مشتركة إزاء الخيارات الواجب اعتمادها في مواجهة التهديدات، على أن يترجم ذلك على مستوى التنسيق والاستعدادات.
يعني الارتقاء إلى مرحلة
المناورات العسكرية المشتركة
أن مستوى التنسيق بلغ
مرحلة متقدمة
ويعني الارتقاء إلى مرحلة المناورات العسكرية (الجوية وغير الجوية) المشتركة بالضرورة أن مستوى التواصل والتنسيق البعيد عن الأضواء بلغ مرحلة متقدمة جداً، تتجاوز ما هو ظاهر حتى الآن، وبمستوى يمكن الاستناد إليه لبلورة قرارات على مستوى التنسيق العسكري، التي تشكل المناورات المشتركة أحد تجلياتها.
ويمكن القول إنه كما كانت اللقاءات التطبيعية العلنية الأولى مقدمة وتمهيداً لخطوات مشابهة لاحقة، ثم أخذت مساراً تصاعدياً حتى نجحت السعودية في تطبيع الكثير من الإعلام العربي الذي أخذ يتعامل مع اجتماعات المسؤولين السعوديين مع الإسرائيليين كما لو أنه خبر عادي، وليس اتصالاً أو تنسيقاً مع العدو. وكما شكلت هذه اللقاءات تمهيداً للارتقاء إلى المبادرة لزيارة علنية لإسرائيل، ومن ثم تضافرت كل هذه المحطات للارتقاء مجدداً إلى مرحلة التنسيق العسكري العلني على مستوى المناورات.
في ضوء ذلك، بات علينا أن نترقب المرحلة التالية، وأن نتساءل عن القفزة «النوعية» التي يخطط لها «الاعتدال» الخليجي مع إسرائيل. منشأ هذا التقدير، أن مسار تطبيع العلاقات مع العدو كان منذ اللحظة الأولى ضمن مخطط تصاعدي، تمهد كل خطوة فيه لما بعدها، وتجرّ معها أطرافاً أخرى، كما ظهر حتى الآن. وعليه، لم يعد استشراف الملامح العامة لماهية الخطوات التالية يحتاج إلى الكثير من التمرين الذهني. وبالنتيجة، لن يكون مفاجئاً أن نسمع في أي مرحلة لاحقة إعلاناً سعودياً عن مناورات جوية مشتركة مع إسرائيل.
على خط مواز، ينبغي التأكيد على حقيقة أن هذا المستوى من «الجرأة والمبادرة» في تطبيع علاقات دول الخليج مع كيان العدو، الذي بات يشمل الجوانب العسكرية، ينطوي بالضرورة على مؤشرات قوية جداً إزاء المدى الذي بلغه مستوى التنسيق الاستخباري بين الأطراف نفسها، وخاصة بعدما بات من المتعذر جداً العثور على تمايز جوهري في الرؤية والموقف بين الطرفين السعودي والإسرائيلي في أكثر من ملف وقضية إقليمية.
وهكذا نجد أننا أمام أدوار متعددة تصب في اتجاهٍ واحد، تم فيها إيكال كل منها إلى أحد الأنظمة الخليجية. أحدهم تكفل بنقل التشاور والتنسيق والعلاقات إلى مرحلة العلنية، ووفر مظلة للبقية للتمادي. وآخر تصدى لتفعيل التنسيق العسكري العلني، ومنهم من ذهب بعيداً في الزيارات المتكررة لإسرائيل التي تحولت إلى روتينية. وأيضاً، منهم من تصدى لاستقبال وفود صهيونية رسمية وغير رسمية علناً. في السابق، كان الأمر يتم بالتدرج، أما الآن فبات يتم عبر القفزات وفق خيار ممنهج مع العدو الإسرائيلي في جميع المجالات عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى ثقافياً.
الثمن الفلسطيني
الاندفاعة السعودية – الإماراتية – الخليجية، باتجاه إسرائيل ومن دون ربط فعلي بالسياسة الإسرائيلية، على الأقل التزاماً بما يرفعونه من شعار التمسك بالمبادرة العربية، تجاه الشعب الفلسطيني والاستيطان والاعتداءات والأسرى والاحتلال، هي أحد أهم الأسباب التي تدفع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو إلى الاطمئنان لصوابية رؤيته ورهاناته إزاء استعداد دول الخليج للقفز فوق معاناة الشعب الفلسطيني والتموضع العلني السياسي والعسكري إلى جانب الكيان الإسرائيلي. ويستعين نتنياهو بهذا الأداء الخليجي لمواجهة تقديرات وطروحات داخلية ترى ضرورة تحقيق أي تقدم على المسار الفلسطيني، ولو شكلياً، من أجل الحصول على الجائزة العربية – الخليجية.