صنعاء | لم ينتظر اليمنيون الكثير من مؤتمر جنيف، حتى بعد إشارات التفاؤل «الخادعة» التي صدرت في الأيام القليلة الماضية من المدينة السويسرية قبل الاصطدام مجدداً بإصرار الرياض على فرض مطالبها على أي اتفاق بين القوى اليمنية. من البداية حتى لحظة انتهائه، لم يعوّل الرأي العام اليمني على محادثات تجري في مدينةٍ أوروبية تبعد آلاف الأميال، فيما هم قابعون تحت الغارات السعودية المتواصلة يومياً على مدار الساعة.
إلا أن اليأس من توصّل المؤتمر إلى حلٍّ جدّي، والذي اتّكأ على تجربة «جنيف السوري»، توازيه آراءٌ سياسية «متفائلة»، عدّت مجرّد انعقاد المؤتمر انتصاراً سياسياً للقوى اليمنية الرافضة للعدوان، خصوصاً أن المحادثات لم تحقق رغبة السعودية وفريقها، لا من ناحية التصميم ولا من ناحية القبول بشروطها للوصول إلى اتفاق. هذا الواقع جعل من «جنيف» بالنسبة إلى الرأي العام مجرد محطة، ينطلق من خلالها مسار إعادة القوى السياسية إلى طاولة الحوار التي كانت تستضيفهم برعاية المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر، قبل أن يفضّها العدوان. يرى هؤلاء أن السعودية تريد أن تنتزع من «جنيف» ما لم تستطع انتزاعه بواسطة عدوانها. «لن تتوقف السعودية عن ابتزاز العالم لكونها تبحث عن نصر بديل، لن تحصل عليه»، يقول الناشط اليمني محمد المقالح الذي رأى أن «وفد صنعاء» تصرّف بإيجابية في المحادثات، رغم ما تعرّض له من تأخيرٍ وعرقلة في طريقه إلى سويسرا، يومي الأحد والاثنين الماضيين. في الفكرة نفسها، يرى الصحافي والناشط السياسي اليمني نبيل الصوفي أن الرياض وفريقها حاولا عرقلة وصول «وفد الداخل» إلى جنيف، «ثم اتهموا أنصار الله والمؤتمر الشعبي بعرقلة المؤتمر».
التوقعات التي هيمنت على الرأي العام اليمني في الأيام الماضية تمحورت حول ما تردّد عن طلب «وفد الرياض» إرسال وفد مراقبين إلى المدن اليمنية بعد انسحابٍ محتمل للجيش و«اللجان الشعبية»، وهو المقترح الذي يلاقي رفضاً شعبياً، لاعتباره «مسّاً صريحاً بالسيادة اليمنية»، بحسب ما يقول المقالح الذي يخشى من تنازلٍ في هذا المجال، مع إشارته في الوقت نفسه إلى أن وجود مراقبين على الحدود اليمنية السعودية قد يكون مفهوماً.
من جهةٍ أخرى، يعتقد الصوفي أن «جنيف نجح من لحظة انعقاده»، حيث إن مجرّد قبول فريق الرياض بالذهاب إلى محادثات يعني الاعتراف بأن الحلّ العسكري فشل. كذلك، يتابع بالقول إن السعودية تنازلت مرات عدة: «أولاً هي رفضت الحوار قبل عودة هادي وفريقه، ثم قالت إنه لا حوار إلا في الرياض، ثم رفضت أي حوار إلا تحت سقف قرار مجلس الأمن الذي صدر بضغطٍ منها وينصّ على انسحاب الجيش واللجان الشعبية من المدن»، مشيراً إلى أن انعقاد جنيف يعني أن الأمم المتحدة بدأت مساراً ضد ما سمّاه «اللاءات السعودية الثلاث»، إذ إنها عقدت حواراً في جنيف بين القوى اليمنية (وفقاً للمبعوث الدولي)، ومن دون شروطٍ مسبقة.
«مؤتمر جنيف» جاء خلال صمود اليمنيين وبعد سلسلة إنجازات ميدانية حققها الجيش و«اللجان الشعبية»، عبر تقدّمهم على الجبهات الداخلية وتصعيدهم للعمليات العسكرية على الحدود ضد مواقع عسكرية سعودية، ما يجعل الوفد الذي يتضمّن «أنصار الله» يتوجّه إلى جنيف بخلفيةٍ ملؤها الثقة. انطلاقاً من هنا، يشير الصوفي إلى أن الجبهة الداخلية استطاعت أن تصمد حتى الآن، وما سيأتي بعد ذلك يمكن اعتباره «فائض نجاح» لا أكثر.
العدوان المتواصل منذ نحو 3 أشهر لم يُعدّ قضية محليّة فقط، حيث إن صداه تردّد في مختلف أنحاء العالم، إذ بات يعبّر عن ظلمٍ وقع على شعبٍ بأكمله، فقط لأنه ثار على الهيمنة السعودية. الكاتب والناشط السياسي الاردني ناجي الزعبي يرى أن عدوان السعودية لم يحقق شيئاً من أهدافه، معتبراً ذلك السبب في قبولها بالذهاب إلى خيار المحادثات السياسية. كذلك، يقول إن جنيف ليس إلا مخرجاً للسعودية والولايات المتحدة من مأزقهما اليمني.