قبل العدوان الأميركي على مطار الشعيرات يوم الجمعة، كانت عمان وتل أبيب تضعان اللمسات النظرية الأخيرة على مشروعهما لإقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري.
هذه المنطقة التي ظلّت أسيرة حسابات سياسية وعسكرية عدّة، فُكّت بعض «طلاسمها» أخيراً في زيارتَي الملك الأردني عبدالله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن. سمع الزائران من مضيفهما دونالد ترامب كلاماً إيجابياً عن طرحهما، وعن استعدادات لتدخّل مباشر في الجنوب السوري. والأخير كان قد تعهّد قبيل تنصيبه رسمياً (15/12/2016) بإنشاء مناطق إنسانية آمنة في سوريا، مطالباً دول الخليج بتمويل هذا المشروع.
الملك الأردني عرض، خلال اللقاء، رؤيته للواقع العسكري والسياسي في الجنوب، وعاود تذكيره بحديثه عن إقامة منطقة آمنة، مبدياً استعداده للتدخّل جواً وبراًَ بدعم أميركي (ضمن التحالف الدولي).
تل أبيب، بدورها، تلحّ وتعمل جاهدةً لتحقيق هذه المطالب أيضاً، بينما السعودية تبحث عن فرصة لتقوية نفوذها في الجنوب. وهي عرضت (على هامش القمة العربية) على الملك الأردني تمويل الحملة وتحمّل نفقاتها. وفي هذا السياق، تفيد الإشارة إلى بيان البيت الأبيض في 29 كانون الثاني الماضي، بأنّ الرئيس ترامب طلب من الملك سلمان بن عبد العزيز «المساعدة في دعم تأسيس مناطق آمنة في سوريا واليمن، وأن الملك وافق، وذلك خلال اتصال هاتفي بينهما».
أما مبرّرات نتنياهو لإنشاء هذه المنطقة وفق ما ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بعد «عدوان الشعيرات» بساعات، فهي «منع إيران وحزب الله من أن يكون لهما موطئ قدم في المنطقة»، مشيرةً إلى أن نتنياهو «يناقش الخطوة مع إدارة ترامب والجهات الدولية الفاعلة». ولفتت إلى أنّ رئيس الحكومة يسعى إلى أن تكون المناطق العازلة «جزءاً من أي اتفاق مستقبلي لإنهاء الحرب في سوريا».

الترجمة على الأرض

في ظل هذا الحراك الأميركي ــ الإسرائيلي ــ السعودي ــ الأردني، يجري العمل على توحيد الفصائل الجنوبية ودعمها على نحو أفضل، بهدف تشكيل منطقة يديرها المسلحون، إضافة إلى إدارة مدنية تستنسخ تجربة الشمال السوري، وفيها تُنشئ واشنطن قواعد عسكرية على غرار مناطق سيطرة «الوحدات الكردية».
كذلك، فإنّ فكرة التدخل العسكري الأردني مع قوات عربية حاضرة ضمن الخطط، إذ توافقت عمان مع الرياض منذ مدة على ذلك، كما يلاحظ حراك عسكري مُكثف على طول الحدود الأردنية ــ السورية (سرت تقارير أمس عن وصول مدرعات أميركية إلى منطقة المفرق الأردنية المواجهة لمحافظة درعا، وأخرى عن انتشار قوات خاصة أردنية وأميركية على الحدود من ناحية محافظة السويداء). والهدف، حسب مصادر سورية، هو تقسيم الجنوب تمهيداً لإقامة «حالة فيدرالية».

تدرس واشنطن خطة نقل مقاتلين جواً لتنفيذ عمليات إنزال
وأشارت المصادر إلى تواصل الاجتماعات الأمنية والعسكرية لمناقشة هذه الخطط، ويحضرها قادة الفصائل المسلحة وضباط أميركيون. وتبيّن منذ مدة، حسب المصادر، أنّ «القوات الأميركية تُعزّز وجودها في القواعد الجوية الأردنية».
وأضافت المصادر إنّه سيتمّ زج الفصائل بمعركة كبيرة ضد الجيش السوري قبل بدء تحرّك القوات الأردنية والخليجية المدعومة أميركياً تحقيقاً لهدف تقسيم الجنوب وفصله عن الدولة السورية. وعند بدء التحرك العسكري، تتابع المصادر، تدرس واشنطن خطة نقل طائراتها لمقاتلين جواً لتنفيذ عمليات إنزال في مناطق خلف نقاط الجيش السوري ليتم قطع طريق الإمداد إليها وحصارها. وحسب معلومات الجيش وحلفائه، فإن الخصوم يبحثون فكرة الإنزال في مناطق شرق السويداء وقرب بلدة خربة غزالة لقطع الطريق الدولية بين دمشق والسويداء ودرعا.
وتشير هذه المصادر إلى تحضير الفصائل الجنوبية هجوماً كبيراً على درعا المدينة من محاور عدة من حي المنشية. وتدعم هذه العملية حراك عسكري من نصيب (شرق مدينة درعا قرب الحدود) وطفس (شمال غرب المدينة)، «وقد بدأوا أيضاً بإدخال العناصر والسلاح من طريق جديد يبدأ من قرية قرب مدينة الرمثا الأردنية باتجاه طريق السد، ومنه نحو طفس وقرى مجاورة لدرعا المدينة، وآخر من قرية الطرة الأردنية نحو القرى المحيطة بمدينة درعا»، حسب المصادر.
مصدر آخر أفاد «الأخبار» سابقاً قبل لقاء عبدالله ــ ترامب، بأنّ القرار الأميركي بالتصعيد جنوب سوريا تم اتخاذه، و«الزيارة بحثت الأفعال وكيفية ترجمتها ميدانياً».
في هذا السياق، لا تزال الفصائل الجنوبية («النصرة» و«الحر») تخوض معارك شرسة مستمرة منذ ما يقارب الشهرين في حيّ المنشية. وتشير المصادر إلى «الإصرار الكبير جداً للدخول إلى المدينة من جهتها الجنوبية... ورغم خسائرهم الكبيرة، إلا أنهم يعاودون المحاولة دائماً».
كذلك، يلفت مصدر ميداني في درعا إلى أنواع الأسلحة المستخدمة في معارك المنشية «المختلفة عن المرات السابقة»، حيث تُستخدم أعداد كبيرة من القذائف وصواريخ «غراد» على المدينة، وعلى منطقة أزرع وطريق دمشق ــ درعا.

«استعراض» في حوض اليرموك

الهجمات التي نفذتها «الفصائل الجنوبية» على مناطق «داعش» في حوض اليرموك كانت أقرب إلى «الاستعراضات الإعلامية» كما يصفها مصدر ميداني. وأضاف المصدر إنّ «الفصائل قادرة على القيام بهجومات أقوى بكثير، وهذا ما أثبتته عمليات المنشية، فلم نشهد في معارك حوض اليرموك هذا الثقل العسكري الذي رأيناه في المنشية». ويرى أنّ قدرات «جيش خالد بن الوليد» ليست كبيرة إلى درجة تمنع الفصائل الجنوبية مجتمعة من مواجهة مبايعي تنظيم «داعش»، ولكن «هناك من هو مصرّ على إظهار الجيش الحر والفصائل الأخرى غير قادرين على المواجهة، وذلك لاستغلال هذه الورقة لاستجلاب تدخّل خارجي، وصولاً إلى الضغط نحو إقامة منطقة آمنة».




عمان وتل أبيب «لن تتسامحا» مع نفوذ إيران

في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، على هامش زيارته لواشنطن قبل أيام، أعرب الملك الأردني عبدالله الثاني عن قلق بلاده من تزايد النفوذ الإيراني في منطقة الجنوب السوري. وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت الهيمنة الإيرانية ستبقى في سوريا ما بعد معركة الرقة، قال إن «هناك محاولة لإقامة صلة جغرافية بين إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان. وقد أَثَرت هذا الموضوع مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين، الذي كان على علم تام به... وإن نية إيران الاستراتيجية أن يكون لها نفوذ هناك».
وأضاف حول نظرة بلاده لوجود قوات إيرانية قرب حدودها الشمالية، إن «الحرس الثوري يبعد حوالى 70 كيلومتراً (عن الحدود). إذا كانت تلك أخباراً سيئة بالنسبة إلينا، يجب أن تنظر إلى المعادلة الإسرائيلية في هذا».
وتابع: «لقد كنا صريحين جداً مع الروس، وكذلك كان الإسرائيليون، بأن الجهات الفاعلة غير الحكومية من الخارج (غير السورية) القادمة نحو حدودنا لن يتم التسامح معها. وأعتقد بأننا توصلنا إلى تفاهم مع الروس».