يتحوّل الناخب الجزائري، هذه الأيام، إلى محور اهتمام السلطة، وكذلك الأحزاب المعارضة. فكلما دقت ساعة الانتخابات، يسعى الجميع لإقناع المواطن بجدوى المشاركة في العملية الانتخابية، في ظل أن العزوف عن مكاتب الاقتراع عند المواطن الجزائري هو تجلّ لرفض العمل السياسي ككل، وليس بالضرورة استجابة لدعوات المقاطعة التي تطلقها الأحزاب.وتحسباً للتشريعيات المقبلة، شرعت السلطة في حملة إقناع غير مسبوقة، يشترك فيها قادة أحزاب من كل التوجهات، وشخصيات وطنية وأيضاً دينية، وكذلك الفنانون. ويهدف الجميع إلى رفع نسبة المشاركة وتجنب سيناريو تشريعيات 2007 التي لم تتجاوز المشاركة فيها 35.6 في المئة.

في هذا السياق، وعلى عكس نتائج الاقتراع التي قد تتوجه مرة أخرى إلى غالبية يتقاسمها حزبا السلطة «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، تمثل نسبة المشاركة هاجساً حقيقياً، لأن ارتفاعها يضفي نوعاً من الشرعية على البرلمان لمدة عهدة كاملة، وهي عهدة ستواصل سياسة التقشف، وتخفيض النفقات التي بدأت منذ قانون المالية لسنة 2016.
حول هذه النقطة (نسب المشاركة)، ينبه الباحث في الشؤون السياسية عادل أورابح، إلى «غياب دراسات علمية جادة حول العملية الانتخابية وسلوك الناخبين فيها، بسبب غياب مراكز ومعاهد لسبر الآراء والإحصاء». وهذا يعني، أن التفسير يبقى خاضعاً أكثر للملاحظة وللانطباع العام وليس للتحليل العلمي، في رأيه.
وعن التشريعيات في 4 أيار المقبل، فيرى أورابح أنه لا يوجد ما يؤشر إلى أن نسبة المشاركة التي تعرف عادة منحى تنازلياً ستبصر مصيراً آخر هذه المرة، وذلك «بسبب استمرار العوامل المسببة للنفور الشعبي».

لم تتجاوز نسب التصويت في
العقد الأخير 50%


وبشأن أسباب العزوف، فهناك ما هو متعلق بإدارة العملية الانتخابية نفسها من طرف الحكم ونظرته إليها كوسيلة للاستمرار في السلطة وتدوير النخب، وأيضاً «توزيع بعض الريوع السياسية على شكل كوتات لكل حزب». ويضيف: «الانتخابات في منطق السلطة هي غاية بحد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق التداول السلمي، وهذا ما يفسر لجوءها إلى التزوير المباشر في استحقاقات سابقة، أو غير المباشر عبر سن قوانين انتخابية وإجراءات مفرطة ببيروقراطيتها، بما يقصي النخب المعارضة وينفّر الناخبين، وهو ما يسمح لأحزاب السلطة المتحكمة في الإدارة بالهيمنة على النتائج».
هناك أيضاً، وفق الباحث نفسه، أسباب متعلقة بالنخب الحزبية العاجزة عن التنظيم والتعبئة داخل المجتمع، فـ«العرض السياسي الباهت، الذي تقدمه إلى الشعب أحزاب السلطة أو المعارضة لا يغري الناخبين، لأن الفقر في البرامج أو الخطاب القادر على استقطاب الفئات الشابة خاصة التي تكثر فيها نسبة العزوف يعمق الفجوة... الكثير من المترشحين للانتخابات البرلمانية لا يرون فيها سوى مصعداً اجتماعياً للتقرب من دوائر السلطة وتوزيع الريع، بل حتى يقدمون وعوداً كاذبة لا يمكن لنائب تحقيقها لأنها لا تدخل في نطاق مهماته، كمنح السكن والأراضي»، التي تمثل نقاطاً حساسة عند المواطن البسيط.
ليس هذا فحسب، بل ثمة أسباب أخرى متعلقة بالناخبين «المقتنعين في غالبيتهم أن الانتخابات ليست وسيلة للتغيير السياسي، بجانب نفور شعبي واضح ومتعاظم من السياسة بسبب ممارسات السلطة وكذلك نقص تسييس المجتمع، خاصة الفئات الشابة، التي تعطي انطباعاً بأنها لا تفهم أصلاً في غالبيتها مهمة النائب البرلماني ووظيفة البرلمان... بالإضافة إلى فضائح الفساد وشراء المقاعد».
أما الفئة الناخبة في الجزائر، فتنتمي جغرافياً في غالبيتها إلى المناطق الريفية والجنوبية والمدن المتوسطة، وعمرياً إلى شريحة كبار السن التي تنتخب لاعتبارات رمزية أكثر منها موضوعية، وكذلك أحزاب السلطة «التي تستثمر كثيراً في الولاءات البدائية والعشائرية التي تشكل خزاناً انتخابياً مهما لها»، يختتم عادل أورابح.
من جهة ثانية، يقول الكاتب في صحيفة «الخبر» عثمان لحياني، إن «كل الاستحقاقات الانتخابية في العقد الأخير لم تتجاوز فيها نسبة التصويت 50%، ففي انتخابات 2012 بلغت 43%، وهذا يؤكد استمرار أزمة الثقة بين المؤسسة الرسمية والناخب الجزائري». ويعتبر لحياني أنّ «مرد أزمة الثقة ليس عامل التزوير الذي طاول الاستحقاقات السابقة، بل الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي، ولأن الاستحقاقات السابقة لم تنتج لنا مؤسسة ديموقراطية ولا هيئات قادرة على الرقابة على المال العام».