القاهرة | سادت حالة من الترقب وعدم الارتياح على المستوى الرسمي والدبلوماسي المصري مع جولة أمير قطر، تميم بن حمد لشرق أفريقيا، التي بدأها بإثيوبيا أول من أمس، إذ إن القاهرة تؤمن في الوقت الراهن بأن التقارب القَطري للمحيط الإقليمي المصري في أفريقيا، بخاصة دول حوض النيل ما هو إلا مكايدة سياسية ومحاولة للتأثير السلبي بالمصالح المصرية في المنطقة.
محادثات تميم مع المسؤولين الإثيوبيين في خلال زيارته الأولى لأديس أبابا، التي استغرقت يومين، ركزت (بحسب تغطية الوكالة الرسمية الإثيوبية) على تعزيز التعاون بين البلدين على الجبهات كافة، ليس فقط التعاون الاقتصادي في صورة استثمارات أو مساعدات، ولكن أيضاً التعاون السياسي في قضايا الإقليم الأفريقي.
وفي حديث إلى «الأخبار»، قال دبلوماسي مصري مطلع على الملف الإثيوبي إن القاهرة تنتظر ردود فعل من المرجّح أن تكون سريعة من الجانب الإثيوبي إثر زيارة أمير قطر، «أبرزُها موقف أكثر تعنتاً وصلابة بشأن سد النهضة، وهو ما يأتي استكمالاً للدعم القوي الذي تلقته إثيوبيا من قطر منذ زيارة وزير الخارجية القطري لموقع السد في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي».
لكن المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أكد أنه على الصعيد الدبلوماسي لا يمكن الاحتجاج على علاقات بلدين تبدو أنها طبيعية في الظاهر، مستدركاً بأنّ «هناك يقيناً مصرياً بأن الاهتمام القطري بمسائل مثل سد النهضة أو زيادة الاستثمار الزراعي في الأراضي الإثيوبية أو السودانية، ما هو إلا مسعى للتلاعب بالمصالح المائية المصرية التي يعلم العالم أجمع أنها تمسّ الأمن القومي المصري بالدرجة الأولى»، ولا سيما أن ملف سد النهضة لا يزال محل خلاف بين مصر وإثيوبيا لعدم الاتفاق حتى الآن على المسائل المتعلقة بآلية تشغيل السد وملء المياه في بحيرة التخزين وكمية المياه التي ستحرَمُها مصر سنوياً إلى حين تشغيل السد.

هناك يقين لدى
القاهرة بأنَّ الحراك القطري
يمسُّ بأمن مصر القومي

وتدرك مصر، وفق المصدر، «التدافع الخليجي» نحو أفريقيا، وتعلم أن مقومات الجذب الأفريقي للأموال الخليجية كثيرة، سواء للاستثمار أو النفوذ السياسي الإقليمي في القارة الواعدة. وبدأت القيادة السياسية المصرية بتحركات لمحاولة التعامل مع الموقف وتصدّر المشهد بدلاً من الغياب عن الساحة الأفريقية التي باتت ملعباً مفتوحاً لقوى الشرق الأوسط. ويقول المصدر في هذا الإطار إنَّ «من غير الممكن غضّ الطرف عن الاحتياج الأفريقي القوي للأموال والدعم الخليجيين، فضلاً عن المساعي الخليجية للتنافس على الريادة مع مصر في محيطها الإقليمي سواء العربي أو الأفريقي على حد سواء».
وترى دول الخليج في شرق أفريقيا، خصوصاً السودان وإثيوبيا، منطقة قريبة ومستقرة للاستثمار الزراعي وتأمين الواردات الغذائية، بينما تحاول القاهرة بطرق عدة عرقلة هذه المشاريع لاعتقاد راسخ بأن التوسع فيها سيكون خصماً لحصتها السنوية المؤمنة من مياه النيل التي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب، وتكاد تكفي الاحتياجات الداخلية المتصاعدة من المياه، خاصة أنّ شهية دول منابع النيل تفتح لاستغلال مياه النهر من خلال الزراعات المروية بمياه النيل، وهو ما سيكون تهديداً صريحاً للأمن القومي المصري.
ووقعت القاهرة في مأزق الاعتراف بسد النهضة، منذ أن وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي، في عام 2015، على وثيقة إعلان المبادئ مع إثيوبيا والسودان التي اعترفت بمقتضاها مصر بالسد الإثيوبي، في مقابل تعهد أديس أبابا بالتعاون في مسائل «الملء والتخزين». إلا أن هذه الوثيقة أدت إلى مسارات معقدة من الاجتماعات السياسية والفنية التي لن تنتهي إلى اتفاق واضح يرضي مصر، بينما تواصل إثيوبيا أعمال البناء التي وصلت إلى قرابة 60% من الإنشاءات، وتتعهد بالتشغيل القريب للسد من دون النظر للشواغل المصرية، وهو ما يفرض على القاهرة حرجاً من الاعتراض دولياً على السد أو انتقاد أي مساعدات توجهها دول أجنبية أو عربية لدعم استكمال مشروع السد الذي تروج له إثيوبيا بأنه سبيل للرخاء والتنمية، بينما ترى فيه القاهرة خطراً يهدد حصتها من مياه النيل.
ويتجه المحللون والمراقبون إلى أن التدافع القطري لدعم سد النهضة لا تفسير له إلا مكايدة القاهرة وإلحاق الضرر بأمنها المائي، إلا أن البعض يرى أن التوجه القطري لن يكون ببناء العلاقات الثنائية مع دول محددة، ولكن في إطار محاولات بناء تحالفات إقليمية تدين بالولاء للدوحة وتكون حليفاً تستخدمه قطر للضغط على مصر.
وبدأت السياسة القطرية تجاه إثيوبيا مع وساطة الدوحة في حل أزمات القارة بداية حتى من الحرب الإثيوبية الإريترية (نهاية التسعينيات)، وانضمامها إلى منظمة الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، حيث كانت الزيارة الأولى لأمير قطري إلى أديس أبابا التي قام بها الأمير السابق، حمد بن خليفة في نيسان/أبريل 2013.
وترى مسؤولة وحدة دراسات أفريقيا وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات، أماني الطويل، في زيارة الأمير القطري، أنها «أحد إجراءات تحالف إقليمي جديد بين ثلاثة أطراف: إثيوبيا والسودان وقطر»، مضيفة: «هذا التحالف سيكون موجهاً بالدرجة الأولى لمحاولة التأثير في مسارات التفاوض المستقبلية لسد النهضة وما يرتبط بمسائل التخزين وزمن الملء، كذلك إن إثيوبيا بتحالفها مع السودان وقطر تردّ على التحركات المصرية الأخيرة في دول حوض النيل والبحر الأحمر»، مؤكدة أنه «لا يمكن تصور التحرك القطري نحو إثيوبيا بمعزل عن الأهداف السياسية». وتضيف الطويل أن السودان أيضاً يشعر بالقلق تجاه التحركات المصرية مع جنوب السودان، ومن مصلحته الدخول في أي تحالف يضمن له نوعاً من القوة لمواجهة القاهرة.
ولاستكمال حلقة التحالف القطري السوداني الإثيوبي، كانت زيارة الأمير القطري لإثيوبيا قد سبقتها زيارة سريعة للرئيس السوداني عمر البشير، نقل في خلالها رسائل تؤكد الدعم السوداني لمشروع سد النهضة والدعوة إلى لعب دور الوسيط للتعاون العربي الأفريقي.
وكانت إثيوبيا قد حققت طفرة كبيرة في دورها تجاه ملفات السلم والأمن في القارة الأفريقية بخلال مشاركتها في حل نزاعات دول الجوار مثل الصومال والسودان وجنوب السودان والدول الأخرى، فضلاً عن احتضانها مقر الاتحاد الأفريقي. هذه العوامل تجعلها دولة جذب لقوى الخليج التي تسعى إلى الزعامة والدور الإقليمي، وهو ما يفتح الحديث عن خريطة جديدة من التحالفات بين الخليج والدول الأفريقية، التي تبتعد عنها القاهرة لأسباب عديدة في مقدمتها التنازع والتنافس على الريادة، وهو ما فسره انسحاب القاهرة من اجتماعات القمة العربية الأفريقية في مالابو في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي بسبب قضية الصحراء المغربية برغم تبني دول الخليج موقفاً مخالفاً للموقف المصري.




الدوحة... ليست الأولى

جه القطري نحو أفريقيا الأول من نوعه بين دول الخليج، إذ تُعَدّ السعودية (الأخبار، عدد ٣٠٩١) ضمن قوى الشرق الأوسط المتنافسة في القارة الأفريقية لأسباب متعددة. ويأتي في مقدمة الأسباب «مواجهة المد الإيراني في القرن الأفريقي» وخاصة البلدان المتاخمة للبحر الأحمر، وتنويع خريطة الحلفاء الإقليميين بعد توتر علاقاتها مع بعض بلدان الشرق الأوسط مثل مصر ولبنان أيضاً. وتوصلت السعودية إلى اتفاق مع جيبوتي لبناء قاعدة عسكرية سعودية، ولآخر يقضي بإعطاء السودان منحة عسكرية تقدّر بـ5 مليارات دولار. ومن بين الأسباب أيضاً، الفائدة الاقتصادية من تحقيق الأمن الغذائي من خلال التوسع في المشروعات الزراعية في الدول التي تملك الإمكانات من الأراضي ووفرة المياه في منطقة حوض النيل.