صعدة | تنال محافظة صعدة الحصّة الأكبر من عمليات العدوان الذي شنّته السعودية قبل 85 يوماً على اليمن، حتى المساعدات اليسيرة التي تتجه إليها بين الحين والآخر، في ظلّ الحصار المطبق على المحافظة، لم تسلم من القصف. ومع بدء شهر رمضان يبلغ المشهد الإنساني ذروته في اليمن عموماً، ما دفع الأمم المتحدة إلى رفع الصوت والتحذير من كارثة إنسانية وشيكة في هذا البلد. ورغم أن المأساة تطاول جميع المحافظات والمدن اليمنية من دون استثناء، تتركز المعاناة في صعدة التي تعيش أوضاعاً سيئة للغاية، ولا سيما مع إعلان مستشفياتها العجز، وأسواقها نفاد مخزونها من المواد الغذائية الأساسية، وذلك في ظلّ حصارٍ إعلامي، يُشيطن أهل المحافظة التي لا يصوّرها إلا كمعقلٍ لحركة «أنصار الله».

وقد يكون شهر رمضان أكثر الفترات إظهاراً لكارثية الوضع الإنساني في صعدة، حيث يرتكب العدوان جرائم إبادة جماعية بكل معنى الكلمة، في وقتٍ لم تأبه فيه المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية لما يجري هناك، ولم يتداول الإعلام بشأنها إلا القليل، ذلك رغم أن عدداً من أهلها لا يزال مدفوناً تحت الركام، تماماً كما هي حال معظم الضحايا الذين قضوا تحت الأنقاض في المناطق الأخرى.
على أطراف صعدة، هناك منفذان حدوديان، هما علب والبقع، يوصلانها بمحافظتي نجران وعسير السعوديتين، ويُعتبران أبرز المنافذ الحيوية التجارية في اليمن وقد أُغلقا كلّياً مع بداية العدوان كجزءٍ من الحصار المفروض، ما عطّل الحركة التجارية للصادرات والواردات وضاعف من حدة الأزمة الإنسانية. وفي تطوّرٍ تصعيدي خطير يعمد طيران العدوان إلى عزل المحافظة كلياً عن محيطها اليمني من طريق منع وصول شاحنات النقل التجاري وحتى المركبات الصغيرة المحمّلة موادّ غذائية آتية من محافظات أخرى. على سبيل المثال، أغارت الطائرات أخيراً على قرابة 15 مركبة كانت في الطريق إلى صعدة، كلّها تقلّ مواد غذائية (قمح وزيت وفاكهة وخضروات). هذه الجريمة تجعل إدخال مواد غذائية إلى صعدة، مغامرة غير مضمونة العواقب، بالإضافة إلى خنق أسواق صعدة وإغراقها في أزمة انعدام المواد الغذائية ومضاعفة أسعار الموجود منها.
في هذا السياق، يقول المزارع محمد يحيى المؤيد، إن إغلاق المعابر الحدودية يسبب خسارة الملايين بسبب تكدّس المحصول الزراعي في الأسواق المحلية التي تغرق بالمحاصيل الفائضة عن الحاجة. ويؤكد أن الحرب السعودية ضد المزارعين اليمنيين ليست طارئة، إذ إنها تُمارس منذ سنوات من خلال الإغلاق المفاجئ للمنافذ الحدودية، مضيفاً أن العدوان لم يكتفِ بذلك، فهو يقوم عبر طائراته بتدمير المزارع وإحراق المحاصيل، «وقد لوحظ أكثر من مرّة نوع من القنابل الغازية التي تُضرب على مزارعنا وتسبب إتلاف المحاصيل وشلّ القدرة الإنتاجية للأشجار أو إحراقها وهي قائمة، وتُغيّر لون التربة».
وبموازاة هذه الجرائم، يعمد الطيران إلى استهداف أسواق صعدة التي تجاوز نسبة المقصوف منها 80%، وكان آخرها سوق «يسنم» في مديرية باقم الذي أغار عليه الطيران بثلاث غارات أدت إلى قتل خمسة عشر متسوّقاً وجرح عشرين آخرين. ويُلاحظ أن معظم الغارات على الأسواق تقع خلال وقت الذروة، في لحظة ازدحام السوق بالباعة والمتسوقين. وبعدما استهدفت أول غارة على صعدة سوق البقع الشعبي في الأيام الأولى من العدوان، لجأ السكان إلى تغيير أماكن التسوق ناقلين إياها إلى بطون الوديان وسفوح الجبال وهي الأماكن التي اعتادوا اللجوء إليها خلال الحرب، ولكن رغم ذلك، يبقى التسوّق مغامرةً في أسواق تفتقر إلى معظم المواد الغذائية الأساسية.