مع اقتراب موعد الجولة المقبلة من محادثات أستانا، التي استبقت باجتماع ليومين متتاليين بين مسؤولين من البلدان الثلاثة الضامنة لتلك المحادثات، بمشاركة أممية يعود الحديث عن آمال بتجديد اتفاق إطلاق النار المبرم مسبقاً، مع التفاهم حول بنود إضافية تخص المحتجزين والأسرى لدى الطرفين، ولا سيما أن الخبراء اتفقوا على الاجتماع مجدداً في الثاني من الشهر المقبل.
في المقابل، تشير معطيات الميدان إلى أنه سيتابع اشتعاله قبيل جولة أستانا المرتقبة في الثالث والرابع من الشهر المقبل. وبعد حديث طويل عن قرب موعد عملية عسكرية مفترضة يتحضّر الجيش السوري وحلفاؤه لإطلاقها في ريف حماة الشمالي، تقدمت قواته أمس من بلدتي صوران ومعردس، فارضة سيطرتها على بلدة طيبة الإمام، التي شكلّت نقطة ارتكاز رئيسية لهجوم الفصائل المسلحة الأخير جنوباً باتجاه مدينة حماة. وبرغم أن السيطرة على البلدة تفتح الطريق نحو بلدتي مورك واللطامنة، فإن المعطيات تشير إلى أن تحرك الجيش شمالاً لن يكون سريعاً، بل سيعتمد على تمهيد ناري واسع يضعف دفاعات المسلحين ويسمح بقضم مناطق على التوالي. وهو ما بدا واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية، عبر غارات عنيفة نفذها الطيران الحربي بالتوازي مع قصف صاروخي ومدفعي على بلدات اللطامنة وحلفايا وكفرزيتا والمصاصنة ومعركبة ولحايا. وبالتوازي، شهد أمس هجوماً معاكساً للفصائل المسلحة على مواقع الجيش في طيبة الإمام، في محاولة لاستعادة السيطرة على البلدة قبل تثبيت الجيش لمواقع حصينة داخلها. وأرسلت «هيئة تحرير الشام» و«جيش العزة» و«أحرار الشام» تعزيزات إلى جبهة البلدة، على الرغم من أنها تخوض اشتباكات متفرقة على محاور الريف الشمالي كله، وبينها حلفايا وكفرزيتا والهبيط.
وعقب إتمام خروج الدفعة الأخيرة في المرحلة الأولى لـ«اتفاق البلدات الأربع» من بلداتهم نحو أطراف حلب الجنوبية، توقف ما يقارب من ثلاثة آلاف شخص هناك، في انتظار استكمال طريقهم إلى وجهاتهم النهائية، في انتظار إنجاز بعض البنود المقررة في الاتفاق.
وتنتظر في منطقة الراشدين 45 حافلة تقل أهالي كفريا والفوعة، لإكمال طريقها إلى داخل مدينة حلب، فيما تنتظر 11 حافلة آتية من ريف دمشق في منطقة الراموسة للخروج نحو محافظة إدلب.
ونقلت مصادر مطلعة أن استكمال الاتفاق ينتظر إخراج عدد من المعتقلين لدى الحكومة السورية إلى مناطق سيطرة المجموعات المسلحة. فيما بدأ الهلال الأحمر السوري بتوزيع بعض الأغذية والمياه بعدما طالت مدة انتظار المغادرين في الخلاء.
وعلى ضوء ما يجري في الميدان، أصدرت الوفود المشاركة في اجتماع طهران الثلاثي بياناً مشتركاً، أشار إلى أنها «بحثت مسودة وثائق، من ضمنها الوثائق المتعلقة بنظام وقف إطلاق النار وتنفيذه، كذلك تبادل السجناء والمختطفين». وبالتوازي، أوضح المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن اللقاء الذي كان مرتقباً بين مسؤولين من وزارتي الخارجية الأميركية والروسية في جنيف، تم تأجيله إلى موعد غير محدد، بعد رفض واشنطن المشاركة في اجتماع الاثنين المقبل. ولفت في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في جنيف، إلى أنه سيجتمع مع نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف، لبحث التحضيرات قبيل لقاء أستانا المقبل. وشدد على أن موعد محادثات أستانا لا يزال مطلع الشهر المقبل وفق المقرر، موضحاً أن جولة سادسة من محادثات جنيف يتم الاستعداد لها مع أخذ ما يجري على الأرض بعين الاعتبار. وقال إن فريقه شارك في محادثات فنية في طهران، تخللها حراك يتعلق بمسألة المحتجزين وعدد من القضايا المرتبطة بإزالة الألغام وغيرها. وأشار مسؤول المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة يان إيغلاند، إلى أن كل الأطراف السورية أبدت استعدادها للسماح لقوافل المساعدات بالوصول إلى عدد من المناطق المحاصرة، بما في ذلك مناطق الغوطة الشرقية.
وفي سيناريو متوقع، رفضت «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» عبر تصويت أمس، اقتراحاً روسياً ــ إيرانياً بتشكيل فريق جديد للتحقيق في الهجوم الكيميائي المفترض في خان شيخون، وفق ما أعلن الوفد البريطاني لدى المنظمة. وقال الوفد في تغريدة له عبر «تويتر» إن «المجلس التنفيذي للمنظمة... رفض بشكل ساحق القرار الروسي ــ الإيراني». واعتبر الوفد البريطاني أن موسكو كانت تسعى إلى «نسف بعثة التحقيق» الحالية. ودعا مشروع القرار، وفق ما نقلت وكالة «فرانس برس»، إلى التحقيق «لمعرفة ما إذا كان السلاح الكيميائي استخدم في خان شيخون، وكيف وصل إلى الموقع الذي حصل فيه الهجوم». ودعا الاقتراح المحققين إلى زيارة مطار الشعيرات الذي قصفته الولايات المتحدة بعد هجوم خان شيخون «للتحقق من المزاعم المتعلقة بتخزين أسلحة كيميائية» هناك. كذلك، تضمن المشروع دعوة الدول الأعضاء في المنظمة إلى «تأمين خبراء للمشاركة في التحقيق».
وفي سياق متصل، ذكر الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما نقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية، أن بلاده طلبت من الأمم المتحدة إرسال وفد للتحقيق في حادث خان شيخون، غير أن الدول الغربية عرقلت هذه المبادرة. ورأى أنه «لو أتى مثل ذلك الوفد، لوجد أن كل رواياتهم حول ما حدث في خان شيخون، ومن ثم الهجوم على مطار الشعيرات، كان فبركة وكذباً».
على صعيد آخر، رأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أياً من الأطراف «لا يهتم لوحدة سوريا»، مضيفاً أنه «يجري حالياً تقسيمها قطعة قطعة». وأوضح في لقاء مع قناة «الجزيرة» بث أول من أمس، أن بلاده ليس لها مطامع في سوريا، معرباً عن أسفه لأن «سوريا لن تقوم لها قائمة مرة أخرى في المستقبل القريب».
وفي سياق حرب التصريحات الأميركية ــ الإيرانية، اتهم وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، معتبراً أن «الإرهابيين في العراق وسوريا يقاتلون بأسلحة أميركية». وفي رد على تصريحات أميركية متعددة هاجمت إيران، اعتبر أن الاتهام الأميركي «تزوير للحقائق»، مشيراً إلى أن على واشنطن إدراك أن «عصر الكاوبوي والتدخل القائم على الاتهام واختلاق الملفات الزائفة قد ولّى». وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قد اتهم إيران بالتحريض على «زعزعة الاستقرار عبر زرع ميليشياتها» في عدد من دول الشرق الأوسط، وأكد أن طهران مستمرة في دعم «النظام الدموي في سوريا وإطالة أمد النزاع».
(الأخبار)