تونس | شهد الدينار التونسي هبوطاً غير مسبوق مقابل الدولار الأميركي واليورو الأوروبي، بعدما بلغ سعر صرفه في السوق العالمية أدنى مستوياته، ليسجّل مقابل اليورو الواحد 2.68 أمس، بعدما كان 2.0 في 2015، في الوقت الذي وصل فيه سعر الصرف أمام الدولار إلى 2.50، وهو ما أثار قلق الناس والأحزاب السياسية، وخاصة طرفي الإنتاج من منظمة أصحاب العمل ومنظمة العمال.
ومنذ الثلاثاء الماضي، إثر تصريحات لوزيرة المال لمياء الزريبي، مفادها أن البنك المركزي سيقلص تدخلاته لخفض الدينار تدريجياً، لكنه لن يسمح بأي انزلاق كبير للعملة المحلية، يشهد الدينار تراجعاً حاداً يقلص مدخرات البلاد من العملة الصعبة، كما ستكون له تداعيات سلبية في الاستثمار والقدرة التنافسية للمؤسسات، وأيضاً التضخم وعجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة المديونية وخدمة الدين، وبصورة عامة في التوازنات المالية الكبرى.
رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يعيب على بعض السياسيين خطابهم المحبط، طمأن الجميع وأكد أن الحكومة والبنك المركزي سيتخذان إجراءات للحد من تراجع العملة، بل قال إن تهاوي الدينار عادي نظراً إلى عجز الميزان التجاري الذي بلغ في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري نحو 1.68 مليار دولار، أي بنسبة 57 في المئة.

رأى رئيس الحكومة
أن مشكلة انخفاض قيمة الدينار طبيعية ويمكن حلها

ويمكن القول إن الشاهد لم يجانب الصواب، وهو ما يشرحه الخبير الاقتصادي والمالي حسين الديماسي، الذي عزا تهاوي الدينار إلى العجز الكبير في الميزان التجاري بسبب ارتفاع قيمة الواردات مقابل تراجع الصادرات، مضيفاً أن غياب تدخل البنك المركزي حتى الآن ساهم في هذا التراجع. والحل من وجهة نظره هو «التقليص قدر الإمكان من التوريد العشوائي الذي يستنزف مدخرات البلد من العملة الصعبة، وخاصة تلك المواد التي تمثل كماليات بالنسبة إلى المستهلك».
يذكر أنه في نهاية الأسبوع الماضي انطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى استهلاك المنتوج المحلّي، من قبيل: «دينارك طاح... هزو» و«استهلاك تونسي» و«يكفي من الاستيراد العشوائي».
أما عن التأثيرات المباشرة، فستكون وفق الديماسي «فقدان المؤسسات الاقتصادية قدرتها التنافسية، ما سيجعل معاملاتها تتراجع ويمكن أن تتجه إلى تقليص عدد عمالها، إلى جانب ارتفاع كلفة شراء المواد الأولية، ثم ارتفاع أسعار المنتوجات المحلية».
هذه التداعيات في حال حدثت، ستمثل وقوداً للاحتجاجات التي تعم البلاد للمطالبة بالتشغيل والتنمية. فمحافظة تطاوين (500 كلم عن العاصمة) التي شهدت إضراباً عاماً في الثالث عشر من الشهر الجاري، أغلق شبابها نهاية الأسبوع الماضي جميع المداخل المؤدية إليها لمنع شاحنات الشركات البترولية من الدخول والخروج، كما قرروا إضراباً عاماً ثانياً الخميس المقبل، بالتزامن مع زيارة مقررة للشاهد إلى المحافظة التي تتجاوز نسبة البطالة فيها 30 في المئة.
أما في الشمال الغربي، وتحديداً مدينة الكاف التي نفذ أهاليها إضراباً عاماً في العشرين من الشهر الجاري، فلوحت المنظمات التي تؤطر تلك الاحتجاجات بعصيان مدني كتصعيد لما ترى فيه تجاهل الحكومة لمطالبها، كما شهدت مدينة القيروان (160 كلم عن العاصمة) مسيرة احتجاجية ضخمة نهاية الأسبوع الماضي.
حتى القضاة انخرطوا في الاحتجاجات للمطالبة بتحسين وضعهم المادي وظروف عملهم، إذ دخلوا بداية من أمس في تحركات بحمل شارة حمراء ودخول الجلسات من دون النظر في أي من القضايا المعروضة أمامهم، كما ستستمر احتجاجاتهم حتى يوم الجمعة المقبل.
وكان صندوق النقد الدولي قد وافق في الأيام الماضية على تقديم قسط متأخر بقيمة 320 مليون دولار من قرض إلى تونس قيمته الإجمالية 2.8 مليار دولار، لكنه وضع شروطاً بـ«إصلاحات» يجب على الحكومة تنفيذها كإصلاح الصناديق الاجتماعية والتخفيض في عدد الموظفين العموميين والتحكم بكتلة أجورهم وغيرها.
أما عن تدخل «النقد الدولي» في تخفيض قيمة العملة المحلية، فأكد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، جهاد أزعور، أنهم لم يطلبوا ذلك، لأن «قيمة الدينار التونسي حالياً لا تتجاوز قيمته الحقيقية إلا بنسبة 10%، وهي نسبة ضعيفة وفق نماذج سعر الصرف القياسية»، لكنه أوصى بإدارة العملة بـ«طريقة مرنة تسمح بمعالجة عجز الميزان التجاري».