أنهت «حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس» انتخاباتها الداخلية من دون مفاجآت، بعد سجالات إعلامية كانت قد حسمت التقديرات بفوز رئيس وزراء الحكومة العاشرة في فلسطين، والقيادي البارز في الحركة، إسماعيل هنية، برئاسة المكتب السياسي.
«أبو العبد» نجح بالتزكية؛ فمنذ عام أُجريت ترتيبات داخلية لإيصاله إلى رئاسة المكتب، وكان اسمه الأكثر تداولاً على هذا الصعيد، خصوصاً بعد تسريب صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية تسجيلاً صوتياً لموسى أبو مرزوق، ينتقد فيه إيران، الأمر الذي «حرق أوراقه».
يُحسب للحركة في الداخل الفلسطيني التزامها بإجراء انتخاباتها، وذلك رغم الحصار والتشتّت وأسر عدد كبير من قياداتها وصعوبة اجتماع كوادرها. في السنوات الماضية، وبعد ثمانية أعوام من ولاية خالد مشعل، بات أبناء الحركة مقتنعين بأن المرحلة المقبلة تتطلب شخصاً يحظى بقبول لدى جميع الأطراف الإقليمية، خصوصاً لدى الجمهورية الإسلامية في إيران، وذلك لإعادة علاقات «حماس» الخارجية إلى ما كانت عليه. وهنية «لما يملكه من رصيد في غزة والخارج، قادر على تنفيذ هذا الدور»، تقول مصادر داخل الحركة.

60% من مقاعد المكتب كانت من نصيب «أبناء غزة»

تزيد تلك المصادر بأن الحمساويين واجهوا في السنة الأخيرة الضغوط (التركية والقطرية) التي مورست عليهم من أجل التمديد لخالد مشعل مرة أخرى. وقالت قيادات في الحركة إن «أبو الوليد رفض التمديد لنفسه، كما رفض إنشاء منصب خاص له، وطالب بالتزام القانون الداخلي الذي يمنع التمديد لنفسه مرة أخرى»، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحديث عن منصب «الأمانة العامة».
مجيء هنية على رأس المكتب السياسي ضرورة بالنسبة إلى «حماس» حالياً. ففي «عزّ الانقسام» السياسي والخلاف بين الحركة ومحور المقاومة حول الموقف من الأزمة السورية، بقي هنية أقرب إلى الحياد. تستذكر قيادات في الحركة الموقف الذي تعرض له «أبو العبد» عندما علت هتافات ضد النظام السوري، حينما كان يلقي «خطبة الجمعة» في جامع الأزهر في القاهرة إبّان حكم الرئيس السابق محمد مرسي. تكمل المصادر أنه «بعد سماعه (هنية) الهتافات التي علت ضد النظام السوري خارج المسجد، غيّر وجهتها، لتصبح ضد العدو الإسرائيلي».
يعرف هنية حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه. وطبقاً لمصادر في الحركة، فإن من أولوياته في المرحلة المقبلة: كسر الحصار عن غزة، وتوطيد العلاقات مع إيران والدول العربية ممّا كانت عليه قبل الأزمة السورية، والسير في ملف المصالحة أو حل أزمات الموظفين.
وفي «حماس» ترسخّ اقتناع بأن «الأزمة السورية ستنتهي عاجلاً أو آجلاً... لذلك يجب علينا أن لا نخسر علاقتنا بإيران من أجل أزمة عابرة». وما يشير إلى تجسيد هذا التوجه هو اختيار هنية البقاء في قطاع غزة وتجنّب الإقامة في قطر، لما للأخيرة من رمزية سلبية وتأثيرات على العلاقات الخارجية.
ووفق المعلومات، إن بقاء «أبو العبد» في غزة، رغم المخاطر الأمنية المترتّبة على شخصه، سيسهّل على «حماس» التقرّب من طهران والقاهرة أكثر، ويبقي الرجل على تواصل مباشر مع الجسم العسكري للحركة. كذلك، يرى هنية أن الإقامة في الدوحة «قد تزعج المصريين، ومن الأفضل لتحسين العلاقة مع أكثر من جهة البقاء في غزة». تضيف المصادر في «حماس» أنه «سيكتفي بالجولات الإقليمية، وبعقد اجتماعات متفرقة لقيادة الخارج والعودة إلى غزة... غالبية أعضاء المكتب السياسي في هذه الدورة هم من أبناء القطاع».
وعملياً، تبيّن بعد إعلان «حماس» أول من أمس أسماء أعضاء مكتبها السياسي الجديد، وهم: موسى أبو مرزوق، ويحيى السنوار، وصالح العاروري، وخليل الحيّة، ومحمَّد نزال، وماهر عبيد، وعزّت الرّشق، وفتحي حمّاد، أنه يمكن القول إن كل ردود الفعل حول اتجاه الحركة نحو «التسوية» صارت من الماضي، إذ إن غالبية أعضاء المكتب السياسي هم من العاملين في المجال العسكري أو الأمني (المقاومة)، وبعضهم وضعت أسماؤهم على لائحة «الإرهاب» الأميركية.
مع ذلك، لم تمر انتخابات «حماس» مرور الكرام لدى بعض الوكالات الإعلامية الفلسطينية، خاصة المقرّبة من حركة «فتح»، إذ نشرت هذه الوكالات في الأيام الماضية وثائق تظهر خلافات بين أعضاء المكتب السياسي في غزة والقيادي محمود الزهار. ونشرت إحدى هذه الوكالات وثيقة تظهر تقديم الزهار استقالته من عضوية المكتب السياسي، وهو ما نفته مصادر في الحركة.
بالعودة إلى أعضاء المكتب الجديد، كان من اللافت أن أبناء غزة يشكلون ما نسبته 60%، وأن للعسكر النصيب الأكبر، خصوصاً مع وجود السنوار، والعاروري، وحمّاد، والحيّة، وهو ما يجعل كلمة «كتائب عز الدين القسام» مسموعة أكثر لدى أعضاء المكتب.
هذا الواقع يدركه العدو الإسرائيلي جيداً، وقد نشر المتحدث باسم حكومة العدو أوفير جندلمان فيديو ظهر فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو ينتقد وثيقة «حماس»، قائلاً إنها «تنص على أنه ليس لإسرائيل أيّ حق في الوجود، وأن كل سنتيمتر من أرضنا يعود للفلسطينيين، وأنه لا حل مقبول إلا بزوال إسرائيل»، مضيفاً أن حماس تريد «استخدام الدولة الفلسطينية لتدمير إسرائيل». وفي نهاية الفيديو، مزّق نتنياهو الوثيقة الجديدة وألقاها في سلة مهملات.