الجزائر | بات ظهور المؤسسة العسكرية في الجزائر لافتاً. تارة يظهر نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، ببيانات وبتصريحات تدعو إلى الالتفاف حول الجيش وإلى الحيطة واليقظة، أو تحذّر من تهديدات إرهابية تتربص بالبلاد. وتارة أخرى تظهر القوات العسكرية في مناورات وتدريبات تثبيتاً لجاهزية الجيش في حماية الحدود ومحاربة بقايا الجماعات الارهابية، أو حتى في مناسبات للإعلان عن صفقات شراء أسلحة ذات تكنولوجية عالية، في مشهد غير مألوف قد يوحي بأن هناك حقائق لم يكشف عنها، تتعلق بخطر مرتقب.
وعلى غير عادة، تتصدر المؤسسة العسكرية المشهد في الجزائر إعلاميا وميدانيا. وبعيداً من الواقع السياسي، يجتمع مجمل النشاط الإعلامي والميداني على نقطة واحدة، تتمثل في محاربة بقايا الإرهاب وحماية الحدود.
التحركات تمثّل رسائل
للداخل والخارج بأن الجزائر
واقفة وصامدة

وفيما يتزامن ذلك مع توسع وتمدد تنظيم «داعش» في ليبيا، كان آخر ما ورد في هذا المجال ما أشير إليه، أمس، في مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية)، التي أكدت أن قيادة الجيش عازمة على هزم بقايا الإرهاب، واستمرار بقاء القوات المسلحة متأهبة ومستعدة ومتحلية باليقظة والاحتراس، وعملها دون هوادة لإحباط كافة محاولات تسلل المجرمين عبر الحدود، من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية، وصون أمن الجزائر والحفاظ على استقرار البلاد.
وهنا يمكن القول إنّ أكثر ما يلفت الانتباه في عودة نشاط المؤسسة العسكرية بقوة، استذكارها في كل مرة ما عانته الجزائر من الإرهاب خلال عقد التسعينيات، وهو الأمر الذي يفسره المتابعون بأن خطراً يتهدد الجزائر وبأنه يجب على الجزائريين التوعّي للمخاطر وعدم الاندماج في أي محاولة لإثارة الفوضى، تجنباً لاستعادة ما حصل سابقاً.
في حديث إلى «الأخبار»، يرى السياسي الجزائري، حمزة عتبي، أنّ النشاط الإعلامي والميداني لقائد الأركان، قايد صالح، ما هو إلا عبارة عن «رسائل موجهة لعدة جهات، داخلية وخارجية».
وفي الشق الداخلي، فإنّ صالح يريد الرد على قوى المعارضة بأن الجيش يرابط على الحدود وهو يؤدي مهماته الدستورية بشكل لائق، وأن الأمر يحدث تحت قيادة رئيس الجمهورية وزير الدفاع، عبد العزيز بوتفليقة، مدللاً على أنه «لهذا تجد كل تصريحاته (صالح) تشير إلى أنه ينفذ أوامر وزير الدفاع».
أما في الشق الخارجي، فيرى حمزة عتبي أنّ لنشاط نائب وزير الدفاع هدفين، أو رسالتين. الأول، موجّه للجماعات الإرهابية بأن الجيش الجزائري جاهز لكل تحرك، ولديه خبرة في دحر كل من تكون لديه نية في التوغل عبر الحدود أو يريد المساس بأمن البلاد. الثاني، موجه لفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، بصفتهما معنيتين بالوضع الأمني بالمنطقة.
ويبني عتبي على واقع أن سقوط ليبيا في مستنقع «داعش» يمثل تهديداً صارخاً لأمن دول المنطقة، وعليه فإن تحركات المؤسسة العسكرية تعني أن التهديد الإرهابي بات حقيقياً وجدياً، ما يستدعي التعامل مع التنظيم الإرهابي بشكل جديد وصارم.
ويرتكز حديث القيادة العسكرية في مختلف المناسبات، وبشكل أساسي، على المخاطر الخارجية، فيما تكشف التصريحات والخطابات أنّ الأحداث تتطور وأنّ ظاهرة الإرهاب أصبحت عابرة للحدود والأوطان. وكان قايد صالح قد قال إن «الظروف الأمنية التي يعرفها محيطنا القريب وحتى البعيد، بكل ما يمثله من تحديات وتهديدات تستحق منا كعسكريين بأن نوليها الأهمية اللازمة، ونستعد لكافة الاحتمالات بما يكفل إفشال كافة المخططات المعادية وحفظ أمن واستقرار الجزائر».
على مقلب آخر، يرفض رئيس «اللجنة الجزائرية الأفريقية للسلم والمصالحة»، أحمد ميزاب، خلال حديثه إلى «الأخبار» اعتبار نشاط المؤسسة العسكرية بأنه نابع من تخوف. ويقول إنه منذ اندلاع ما يسمى «الربيع العربي» وانفجار الوضع في ليبيا، اتخذت الجزائر حزمة من الإجراءات والتدابير التي ترمي إلى تعزيز أمن الحدود.
ويرى المحلل الأمني أنه منذ خريف 2014، جرى تبني إستراتيجية أمنية تقوم على استباق الفعل، بالتوازي مع القيام بالاستعراض لتوجيه رسائل واضحة، وخاصة بعد بروز «فزاعة داعش». ويخلص إلى أن ما يجري يندرج في إطار رفع المعنويات وتأكيد جاهزية القوات المسلحة.
«الظهور المستمر لنائب وزير الدفاع، قايد صالح، يعكس نشاطه الدؤوب (لإبراز) جاهزية الجيش»، هكذا ردّ مصدر عسكري رفيع في حديث إلى «الاخبار». وتابع قائلاً إنّ «التحرك المتواصل يمثّل رسائل للأعداء في الداخل مع الأسف، والخارج، بأن الجزائر واقفة وصامدة على الرغم من التحديات الأمنية التي تواجهها على مستوى كل حدودها وخاصة ليبيا».
وهو الاتجاه نفسه، تقريباً، الذي اتخذه الخبير الأمني، علي الزاوي، حين رأى في حديث إلى «الأخبار» أنّ نشاط المؤسسة العسكرية عادي، ويندرج في إطار الاستعداد لمواجهة أي طارئ قد يتهدد الجزائر.
عموماً، يجمع المراقبون على أن أزمة ليبيا فعلت مفعولها في منطقة شمال أفريقيا، بشكل أكبر مما نتج في مالي، حتى انّ البعض يذهب إلى حد اعتبار أنّ أحد الأهداف المبيتة لاستهداف ليبيا من قبل الغرب، والحلفاء العرب، تمثّل في تطويق الجزائر ــ «آخر القلاع في العالم العربي».
غير أنه مع كل التحديات وإزاء كل التهديدات، تواصل قوات الجيش الجزائري ملاحقة بقايا الإرهاب في الداخل وتطويقه، فضلاً عن حماية الحدود، في حراك هدفه الحفاظ على الاستقرار والأمن في البلاد، وكذا في شمال أفريقيا والساحل.




"تطمينات" تونسية للجزائر

منذ زيارة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، إلى واشنطن نهاية شهر أيار الماضي، وما خلصت إليه من منح تونس صفة "الحليف الإستراتيجي" للولايات المتحدة، بدا أن توتراً دخل على خط علاقة الدولة العربية مع جارتها الغربية، الجزائر.
ومساء أول من أمس، برز اللقاء الذي عقد بين المبعوث الخاص للرئيس التونسي، خميس جهيناوي، مع رئيس الجمهورية الجزائرية، عبد العزيز بوتفليقة، والذي صدر عنه تأكيد المسؤول التونسي أنّ "العلاقات بين الجزائر وتونس هي علاقة إستراتجية وأنّ تونس تحرص على تطويرها في كافة المجالات".
وذكرت الإذاعة الجزائرية الرسمية أنّ "اللقاء تناول الأوضاع على مستوى المنطقة والتطورات الإقليمية وبخاصة الوضع بليبيا مع تنامي ظاهرة الارهاب التي تمثل خطرا على كافة دول المنطقة دون استثناء". وبحسب الإذاعة أيضاً، فقد جاء جهيناوي حاملاً رسالة من الرئيس التونسي إلى الرئيس بوتفليقة.
(الأخبار)