اللاذقية | لمناسبة الحديث المتواصل عن «هيبة الدولة» الذي شغل الشارع السوري مؤخراً، بعدما ظهر «حرص» مسؤولي الحكومة على إثباتها، تظهر سخرية اللاذقيين من المصطلح ومستخدميه. الهيبة باتت «مرحومة» كما يسميها بعض أبناء المدينة، الذين يحاولون تذكير الحكومة بضبط المدينة الغارقة في الفوضى والفساد.
جريمة قتل واحدة أسبوعياً، هكذا أضحت حياة أهالي المدينة. والقتل هُنا، إما بغرض تصفية الحسابات أو الشجار، أو يأتي عقب عملية خطف بغرض المال، وبهذا يطفو مجتمع «الفناء الخلفي» للحرب السورية، الذي لا يثير اهتمام وسائل الإعلام العالمية ولا يؤثر في المفاوضات السياسية. وهو ما يعني أنه سيستمر إلى حين، من دون محاولات جادة لاحتوائه. وتظهَر الدولة، عكس ما يوحي به مسؤولوها، الحلقة الأضعف في هذه الفوضى. وتبدو بلا هيبة تتغنى بها، رغم محاولات حثيثة من بعض المتعقّلين من ممثلي الحكومة لاستعادة شيء من ماء الوجه أمام أبناء المدينة المثخنة بجراح عوائل شهدائها ومصابيها. محاولات القبض على عصابات القتل والتشليح، وملاحقة سيارات مشبوهة، وإزالة «فيميه» لسيارات تابعة لجهات مقاتلة إلى جانب الجيش على الجبهات، أضحت أخطاراً يواجهها عناصر الشرطة بشكل يومي خلال تأدية عملهم وتنفيذ الأوامر بضبط المدينة.

الفوضى والجريمة أضحتا
تناسبان أمزجة «الغاضبين»
من أبناء المدينة
مقتل الطفل أحمد سالوخة، مثلاً، أرخى بظلاله على يوميات أهل المدينة، بعدما جرى خطفه على أيدي عصابة مكوّنة من 4 شبان، بغية الحصول على فدية، ليصار إلى قتله لاحقاً. وبينما خفّف القبض على العصابة، بعد أيام، من الضغط الشعبي، تكرر الأمر بعد كشف عصابة خطف أُخرى في مزارع قرية سقوبين، تضم 3 أشخاص، وتحرير 4 مخطوفين لديها كانت قد احتجزتهم مقابل الحصول على فدية. ويأتي ذلك كله بعد إعلان قيادة الشرطة، مطلع الشهر الحالي، إلقاء القبض على عصابة «تشليح» كانت قد سلبت مواطناً وقتلته، الشهر الفائت. العديد من محاضر الضبط لدى شرطة المدينة، لسرقة عشرات السيارات خلال الشهرين الفائتين، في ظل انتشار مستمر لدوريات تقوم بتفتيش السيارات بشكل مفاجئ، لكن كل ذلك من دون جدوى.
ويبدو أن الفوضى والجريمة أضحتا تناسبان أمزجة «الغاضبين» من أبناء المدينة، إذ كثرت الشجارات التي تنتهي غالباً بالقتل. وتبرز بعض التفاصيل من بين محاضر الشرطة المتعلقة بالحوادث لتوضح حجم المشكلة؛ فمثلاً، في حادث تسبّب في مقتل شخصين في شجار حدث في حيّ الفاروس، تم استخدام قنبلة خلاله، ليتناهى إلى أسماع أهل المدينة صوت تفجيرها، ما أثار الكثير من الشائعات والقلق حول خرق أمني جديد للمسلحين، رغم هدوء الجبهات القريبة المتضمنة في اتفاق «مناطق خفض التوتر». وذلك إضافة إلى تعديات بالضرب تحدث بين الفينة والأُخرى، من بينها حوادث متكررة نالت من أطباء مقيمين في مشفى تشرين، عبر أشخاص يرتدون زياً مموّهاً، اعتادوا الاعتداء على عاملين ضمن عملهم الرسمي لمجرد شعورهم بالغضب والاستفزاز. وعلى صعيد الأمن المتعلق بالتماس المباشر مع مسلحي ريف اللاذقية، فقد ألقي القبض، الأسبوع الماضي، على متورطين في مجموعة إرهابية، ضمن مبنى في مدينة جبلة. غير أن الخبر جاء خجولاً بالمقارنة مع ما يتهدد المدينة وأهلها يومياً. أين تكمن المشكلة إذاً؟ وما هي آلية عمل الدولة لتطبيق القانون؟
يصف أحد الضباط العاملين في المدينة المشكلة بأنها تكمن في انتماء أعداد كبيرة من الشبان إلى فصائل متعددة تعتبر نفسها ممثلاً للدولة أيضاً، وأحياناً فوق قانون الدولة. هوس هذه الفصائل هو جمع أكبر عدد من المتطوعين تحت لوائها، مقابل تسليم كل منهم بندقية. وهي تسعى باستمرار لحماية عناصرها وتهريبهم من مسؤوليات الاصطدام مع الشرطة، في ظل غياب قوانين تضبط عملها وعناصرها خارج الجبهات. ويلفت الضابط إلى أن للدولة السورية، من خلال مؤسساتها، توجهات لضبط الوضع الأمني في اللاذقية، غير أنه لا رادع قوياً ضد هؤلاء المتفلّتين من العقاب في أحيان كثيرة.