تغيّرت المعادلة الميدانية في غرب البادية كثيراً منذ الغارة الأميركية ضد قوات الجيش وحلفائه على طريق التنف قبل ما يزيد على عشرة أيام. فتلك القوات التي كانت حينها تسيطر على جيب متقدم رأسه منطقة السبع بيار، عزّزت مواقعها وكسبت أهم مواقع «داعش» المجاورة في جبال تدمر الغربية، وضمنت أمان قواتها المتقدمة شرقاً.
المعارك الجانبية للتوسّع نحو الشمال والجنوب في البادية أصبحت بعيدة نحو ريفي حمص وحماة، شرقي جب الجراح والسلمية، ولم يبق سوى جيب بادية ريف دمشق الذي يسيطر عليه فصيل «جيش أسود الشرقية»، ليصبح الشرق مقصد الجيش وحلفائه الرئيسي.
ويبرز محوران رئيسيان عند الحديث عن التقدم شرقاً، هما التنف والسخنة. وتختلف الظروف المرافقة لأي معارك محتملة على هذين المحورين، بوجود قوات خاصة أميركية وبريطانية في قاعدة التنف مع عدد من الفصائل التي ترعاها وتديرها. وفي الوقت الذي أكدت فيه دمشق، قبل وقت قصير، أولوية التوجه نحو دير الزور، يبدو الطريق مفتوحاً لتصعيد الجهد العسكري في هذا الاتجاه، بمساندة روسية قويّة ومن دون «فيتو» أميركي مباشر.

ينص الاتفاق على «منطقة آمنة» حول قاعدة التنف

أما على جبهة التنف، فيثير الرد الأميركي المباشر الأول تساؤلات كثيرة حول نيّات التصعيد مع الجيش وحلفائه هناك، خاصة أن واشنطن أصرّت على أنها حاولت تحذير القوات المتقدمة لتفادي الصدام، وطلبت من روسيا ثني ذلك التحرك نحو «منطقة منع التصادم». وتشير المعلومات في هذا السياق إلى أن الأميركيين والروس توصّلوا قبل أيام إلى «تفاهم» غير معلن، على توزيع الجبهات ضد «داعش» وتقسيم مناطق السيطرة على الحدود السورية ــ العراقية.
وتشير مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إلى أن الاتفاق يترك للأميركي «منطقة أمان» تمتد ضمن نطاق دائري لحوالى 60 ــ 70 كيلومتراً من قاعدتها في التنف، فيما تعود للجانب الروسي وحلفائه السيطرة على المناطق الباقية من البادية الحدودية شمالاً، باتجاه مناطق وادي الفرات. ويترك هذا الاتفاق للفصائل المدعومة أميركياً السيطرة على معبر التنف مع العراق، فيما يتيح للقوات السورية وحلفائها التقدم نحو معبر القائم المقابل لمدينة البوكمال السورية. كذلك، يفرض خطوط «منع تصادم» بين الجانبين، على حدود المنطقة الدائرية.
وفي موازاة ذلك، تأتي تصريحات الفصائل المدعومة أميركياً المتكررة حول نيتها التقدم شمالاً نحو مدن وادي الفرات، لتفتح الباب أمام احتمالات خروقات لهذا الاتفاق، أو محاولات أميركية لفرض أمر واقع. وفي هذا الصدد تشير المصادر إلى أن دمشق وحلفاءها «لن يسمحوا للأميركي بالإمساك بالحدود، وإذا أصرّ على التدخّل، فـ»الحشد الشعبي» سيدخل أيضاً من شمالي البادية». وتلفت إلى أن ما يجري العمل عليه حالياً «هو تشكيل هلال واقي حول التنف، مع منح الأميركي هامشَي تحرك محصورين داخل هذا الهلال، وبالتالي محاصرته في منطقة التنف ومنعه من التمدد شمالاً». وقد يقرأ وصول «الحشد الشعبي» أمس إلى الحدود السورية، وإن كان في نقطة شمالية بعيدة عن وادي الفرات، ضمن الخطط البديلة الجاهزة لمواجهة الخطط الأميركية المحتملة.
وتتقاطع المعلومات عن الاتفاق حول الحدود مع التوضيحات التي صدرت أمس عن فصيل «مغاوير الثورة»، والتي تؤكد أن دوره محصور في المعارك ضد «داعش»، ومع ما نقل عن المتحدث باسم «المغاوير»، البراء فارس، الذي أكد أن «(التحالف) يدرّب ويجهّز القوات لمحاربة (داعش) وليس شريكنا في محاربة النظام».
كذلك نقلت مصادر معارضة عن المتحدث باسم القيادة الأميركية المركزية، أمس، ما مفاده أن «التحالف لن يسمح بوجود قوات النظام وحلفائه ضمن نطاق 55 كيلومتراً من مناطق وجود قوّاته». ويتّسق ذلك بدوره مع تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد عقب الغارة على طريق البادية، والتي قال فيها إن هذا الاستهداف لن يتكرر «إن لم يكن هناك تهديد لقواتنا». وليس بعيداً عن لغة الرد دون الهجوم، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في معرض رده على سؤال حول مراعاة نشاط قوات «التحالف» وأذرعها البرية خلال عمليات البادية، وما قد يولّده ذلك من احتمال صدام مع الجيش السوري، إنه «إذا كان هدف الولايات المتحدة التعدي على الجيش السوري، فمن الطبيعي أن ندافع عن أنفسنا».
التفاهم الأميركي ــ الروسي ظهرت ملامحه الأولى عند زيارة وزير الخارجية الروسي للبيت الأبيض (11 أيار) ولقائه الرئيس دونالد ترامب. حينها خرج ليعلن عن وجود توافق على مكافحة الإرهاب، وعن «اهتمام» أميركي بالمنطقة الواقعة «إلى جانب (حلفائها) الأردن وإسرائيل». وفيما تبقى توازنات جبهات درعا معزولة نسبياً عمّا يجري في البادية، فإن الوجود الأميركي في التنف سيعطي موقعاً متقدماً للأميركي على المثلث السوري ــ الأردني ــ العراقي، يضمن له مصالحه الاستراتيجية ويؤمن تواصله البري مع قواعده في العراق.
وفي موازاة ذلك، استمرت عمليات الجيش في محيط ناحية مسكنة في ريف حلب الشرقي، وسط تقدم جديد حققه الجيش وحلفاؤه، شمل عدداً من المزارع والقرى في ريف مسكنة الغربي ومحيطها الشمالي. وتواصل استهداف الجيش عبر سلاحي الجو والمدفعية لمواقع تنظيم «داعش» داخل المدينة، وسط أنباء عن إعلان التنظيم المدينة منطقة عسكرية، ودعوته المدنيين إلى مغادرتها.
(الأخبار)