وقع الاشتباه على ما يسمى الشرعية اليمنية، أو تصرفت بما يمليه عليها ردّ الجميل للدوحة، معتقدة أن الخلاف إماراتي ــ قطري فقط، في بداية الأزمة، فأصدرت موقفاً تقف فيه إلى جانب الدوحة قبل أن تضطر بعد ساعات إلى سحبه عندما ثبت لديها أن الأزمة مع الرياض. سارعت إلى الالتحاق بالجانب السعودي وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة وأقصتها عن المشاركة في تحالف العدوان على اليمن، متهمة إياها بدعم الإرهاب والتواطؤ مع «أنصار الله»، رغم أن دولة قطر تغطي الموازنة الكاملة لوزارة الخارجية في ما يُسمى الشرعية اليمنية.
قيادة «الإخوان» في اليمن التزمت الصمت على القرارات الموجهة بحق قطر، باستثناء القيادية في حزب الإصلاح توكل كرمان، التي رفضت بيان «شرعية هادي»، مشيرة إلى أن هذا القرار «لا يمثلنا بعد وقوع الحكومة تحت الوصاية».
أما وأنه وقع الطلاق بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وإمارة قطر من جهة أخرى، فإن التحالف الذي تقوده الرياض في الحرب على اليمن سيشهد مزيداً من التعقيد، وستكون الأطراف أمام اختبار شديد الخطورة، وسيكون «حزب الإصلاح» (الإخواني) أمام امتحان الطاعة للسعودية، وإلا فسيكون مصيره كمصير راعيته دولة قطر، وأي ممانعة من قبله ستضعه على خريطة الاستهداف واتهام قياداته بالتعاون مع تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة» ومع «داعش»، وإدراجهم على لائحة الإرهاب الخليجية والأميركية، ومطاردة العاصين منهم عبر المنظومات الاستخبارية والإغارة بالطائرات من دون طيار الأميركية على قيادات الصف الثاني والثالث في اليمن، ولا سيما في الوسط والجنوب. وسيوضع أعضاء حكومة أحمد بن دغر، التابعة للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، المحسوبين على «الإخوان» أمام اختيار الولاء الكامل للرياض، أو استبدال آخرين بهم يكون ولاؤهم خالصاً للسعودية.
من جهته، أثبت «حزب الإصلاح» من خلال وقائع كثيرة أن لديه قدرة على المناورة وامتصاص الصدمات والتكيّف مع الأخطار. والحزب المذكور ليس معروفاً عنه المغامرة والدخول في منازعات يضع فيها مصيره على المحك، وليس مرجَّحاً أن تعمد الرياض إلى حشره، ولا سيما في ظل عدم توافر بدائل ميدانية موالية لها في الميدان اليمني.
وكانت بداية التدخل القطري المباشر في الشأن اليمني من خلال التوسط بين «أنصار الله» والنظام اليمني في الحروب الرابعة والخامسة والسادسة التي شنت على «أنصار الله». ولم يكن متاحاً لقطر أن تدخل وساطة بين «أنصار الله» والحكومة اليمنية في الحربين الرابعة الخامسة لولا الموافقة السعودية، وكان الدخول القطري على خط الوساطة ضرورياً في الحرب السادسة عام 2008، إذ فرض مأزق السعودية، على الدوحة التحرك الدبلوماسي وتفعيل وساطتها بين الطرفين اليمنيَّين (أنصار الله والحكومة اليمنية)، وكذلك بين «أنصار الله» والحكومة السعودية. ورعت عملية تبادل الأسرى بين الرياض و«أنصار الله». وكان مفترضاً أن يعقب إطلاق الأسرى السعوديين البدء في عملية إعادة الإعمار في صعدة، غير أنّ ضغوطاً سعودية حالت دون تنفيذ التعهد بالإعمار.
بقيت كل من الدوحة والرياض تتقاسمان بينهما الدعم المالي والسياسي والعسكري إلى «حزب الإصلاح» حتى قبل بدء الأزمة الحالية، كل طرف حسب مصلحته. ومعروف أنّ حسابات الدعم القطري لـ«إخوان اليمن» تأتي ضمن إطار تبني الدوحة لتنظيم «الإخوان المسلمين» في العالم، وهي توفّر لـ«الإصلاح» التسهيلات السياسية والدعم الإعلامي والمالي. ويُعَدّ «إخوان اليمن» ممثلين في أعلى هرم سلطة «الشرعية» عبر نائب الرئيس علي محسن الأحمر، ووزير الداخلية حسين عرب، وعدد آخر من الوزراء. وهذا ما يؤمّن في المقابل مدخلاً كبيراً للنفوذ القطري والعمل بحرية ضمن الملعب السعودي، إذ تتخذ تلك القيادات من الرياض مقراً لها، وتتواصل مع الدوحة بنحو آمن ومستمر.
من جهة أخرى، فإنّ السعودية تدعم «الإصلاح» بالأساس، لفشلها في توفير بديل له. وهي حتى اليوم تواصل تقديم الدعم برغم إدراكها أن «إخوان اليمن» كبقية «الإخوان» في العالم، لا يكنّون لها الاحترام والودّ. إلا أن الرياض، بسبب تحالف الضرورة مع «الإصلاح»، عرّضت مراراً تحالفها مع الإمارات للاهتزاز والشكوك، لكون الأخيرة تناصب العداء العلني لكل فصائل «الإخوان» في العالم.
لكن بخلاف الإمارات التي تعمل ليل نهار على استهداف التنظيم المذكور وكل ما يمتّ إليه بصلة، لم يُلحظ أي تعارض بين «الإصلاح» والسعودية، وذلك رغم التشويش عليه في الرياض دائماً من قبل اليمنيين المحسوبين على الإمارات. ويعرف الطرفان السعودي وحزب «الإصلاح» أن خيار الصدام سيكون مكلفاً للطرفين والحاجة المتبادلة بينهما لم تنتفِ بعد، وسيعمد كلاهما إلى مقاربة الأزمة الدبلوماسية الحادة بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية بكثير من الدقة والحسابات المدروسة، لأن البديل هو خيار مرّ سيعملان على تحاشيه والابتعاد عنه.