دعت رئاسة إقليم كردستان مواطنيها إلى التصويت على «استقلال» الإقليم عن العراق، في 25 أيلول المقبل، عقب اجتماعٍ حضره مسعود البرزاني مع ممثلين عن الأحزاب السياسية في الإقليم، وفق بيانٍ أصدرته أول من أمس. وأشارت إلى أنّ «الاستفتاء سيشمل إقليم كردستان والمناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة الإقليم»، في إشارة إلى محافظة كركوك، باعتبارها منطقة متنازعاً عليها بين بغداد وأربيل.
ويقابل تمسّك أربيل موقف حازمٌ لبغداد بالحفاظ على وحدة العراق، ورفض المشاريع التقسيمية، في حين أن البرزاني ــ ومنذ سقوط مدينة الموصل في حزيران 2014 ــ يحاول اقتناص الفرصة الملائمة لـ«التمدّد» أكثر غرباً باتجاه محافظة نينوى، وجنوباً لضمّ محافظة كركوك، بوصفها «الحلقة الناقصة» لاستكمال عناصر الجغرافيا العراقية، المكمّلة لمشروع «الدولة الكردية».

تحاول حكومة بغداد
لملمة الأزمة عن
طريق الحوار والاستيعاب

البرزاني المعروف بـ«آخر رجال الحرب في سلطة الإقليم»، بوصف أحد المراجع السياسيين العراقيين، «يرى في نفسه آخر من يمكنه أن يكتب شيئاً للأمة الكردية؛ فهو من جيلٍ أراد الاستقلال منذ إعلان الجمهورية العراقية»، خصوصاً أنه لم يعد «رجل الإقليم القوي»، بعدما خسر من رصيده السياسي والشعبي لمصلحة القوى المناوئة له. ويحاول البرزاني اللعب على عواطف الشارع الكردي، مستثمراً في خطابٍ قومي، بأكبر قدرٍ ممكن، ساعياً في الوقت عينه إلى تكريس نفسه زعيماً أوحد لإقليم كردستان.
أما الحكومة المركزية، وعلى لسان المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، سعد الحديثي، فقد أعلنت احتكامها إلى «الدستور العراقي» الذي ينظم العلاقة بين الحكومة المركزية والإقليم، فيما تقاطعت المعلومات لدى «الأخبار» عن أن الحكومة ترفض إجراء «الاستفتاء» رفضاً قاطعاً. وتعمّدت الحكومة «غضّ الطرف» عن إعلان أربيل، لأن «معركة استعادة الموصل، والحرب على داعش لا تزالان قائمتين»؛ فحيدر العبادي الذي يقود حالياً أكثر من حربٍ على أكثر من جبهة، يؤمن بأن «فتح الحروب الكلامية سيؤدي إلى المزيد من التناحر»، خصوصاً أن أكثر الخسائر «مردّه إلى الحرب الكلامية بين المركز والإقليم».
وعلمت «الأخبار» أنّ الحكومة تعمل على «احتواء البرزاني»، وتحاول «لملمة الأزمة عن طريق الحوار والاستيعاب»، وذلك عبر التوجه إليه بالقول: «إن كنت ترغب في إجراء استفتاء، فيمكنك أن تجريه عن طريق منظمات المجتمع المدني (أي غير رسمي)». وتُفسّر رسالة بغداد على أنها محاولة «دبلوماسية» لإفراغ «الاستفتاء» من محتواه، أولاً، وعدم إلزام أيٍّ من الطرفين به، ثانياً، والحفاظ على علاقةٍ وديّةٍ مع الإقليم وانتهاج أسلوبٍ حواري معه، ثالثاً.
خطوات بغداد ــ ليست الأولى ــ تندرج في سياق «إفهام» الشارع الكردي بأنها «ليست سبب محنتهم»، بل هي تلمح إلى أن «من يتزعّم المشهد السياسي في كردستان هو السبب في ذلك».
وشهدت الأشهر الماضية «تشنّجاً» في العلاقات بين بغداد والإقليم، أحد أسبابها «اقتطاع رواتب الموظفين»، في اتهام للعبادي بالوقوف وراء ذلك، في وقت تطالب فيه بغداد البرزاني بأموال نفط كركوك، الذي يصدّره ويبيعه عن طريق تركيا. وفي أكثر من مناسبة «خاصة»، كشفت بغداد أمام «من يعنيهم الأمر» أن العائلات الحاكمة ورؤساء الأحزاب في الإقليم، «يتقاسمون في ما بينهم واردات النفط».
وأمام عناد أربيل، وتمسّك بغداد بالحل، فإن أحد المراقبين السياسيين يعلّق على خطوات البرزاني قائلاً: «كلما اقترب الأكراد من تحقيق حلمهم، اقتربت مأساتهم»، مضيفاً أنّ «المرحلة ليست مرحلة الانفصال؛ لا الحكومة ــ رغم لينها ــ تقبل، ولا الجوار يقبل، ولا حتّى الدول الكبرى ستقبل بذلك... دعوات مسعود ليست إلا تنفّساً بصوتٍ عال».