تونس | يوم المخاوف والقلق عاشته تونس، أمس، إثر وقوع عملية إرهابية جديدة هي الأضخم في تاريخها الحديث، إذ تخطت بحصيلتها الهجوم الإرهابي الذي سبق أن تعرّض له متحفها الوطني (باردو) في شهر آذار الماضي، وذلك في هجوم استهدف منتجعاً سياحياً في ولاية سوسة، أدى ــ بحسب أرقام غير نهائية ــ إلى مقتل 37 شخصاً، على الأقل، هم من جنسيات أوروبية مختلفة وتونسيون، وإصابة نحو 40.
واستناداً إلى المعلومات المتوفرة، فإنّ الهجوم نفده إرهابيان، قتل أحدهما في المواجهات مع قوات الأمن، فينما ألقي القبض على الثاني. وجرى خلال الهجوم استخدام سلاح كلاشينكوف، فيما أعلن كاتب وزير الدولة المكلف الشؤون الأمنية، رفيق الشلي، أنّ المنفذ الرئيسي للهجوم طالب لا سوابق له، موضحاً أنه «دخل الى الفندق عن طريق الشاطئ في زي مصطاف قادم للسباحة، وكان يحمل شمسية وسطها سلاح، وعندما وصل، استخدم السلاح في الشاطئ ومسبح الفندق». وفضلاً عن أنّ من شأن ما حصل أمس مفاقمة حدة الأزمات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) التي تعرفها البلاد، فقد بدا في الساعات الأولى أنّ الهجوم قدّم دليلاً قاطعاً حيال مخاوف سبق التحذير منها إزاء احتمال وقوع هجمات إرهابية في شهر رمضان.
الرئيس التونسي: نواجه
حركة عالمية ويجب وضع استراتيجية شاملة

وفي الجانب الأمني أيضاً، أشارت العملية التي كان ضحاياها من التونسيين ومن جنسيات بريطانية وألمانية وبلجيكية وإيرلندية، إلى صحة الشبهات الأمنية حول وجود خلايا تابعة للجماعات المتشددة داخل المدن، وحول قدرتها على اختراق الواقع الأمني (الهش نسبياً)، وتنفيذ تهديدات سبق أن أعلنت عنها جماعات متحصنة في منطقة جبل الشعانبي، تحديداً.

السبسي: لاستراتيجية شاملة

وقد رأى رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، الذي توجّه إلى مكان وقوع الهجوم، أنّ الإرهاب لا يستهدف فقط عناصر الأمن والجيش الذين دفعوا ضريبة دفاعهم عن تونس باهظاً، داعياً التونسيين إلى التوحّد وعدم الانسياق وراء بعض السياسيين الذين يستهدفون الدولة لإسقاطها. وأضاف إن الحكومة ستتحمل مسؤولياتها وستتخذ إجراءات حتى لو كانت موجعة، لكن لا بدّ منها، مشيراً إلى أنّه لن يسمح إلّا برفع علم تونس وأنه سيطلب من رئيس الحكومة أن يراجع بعض الرخص الممنوحة لبعض الأحزاب، في إشارة واضحة إلى «حزب التحرير» الذي عقد مؤتمره الرابع منذ أسبوع وتم رفع «رايات العُقاب» خلاله (راية التوحيد التي يعتمدها داعش والقاعدة). وتابع السبسي قائلاً «أدركنا اليوم أن تونس تواجه حركة عالمية، لا يمكنها أن تواجهها وحدها. والدليل أنه في اليوم نفسه وفي الساعة نفسها استهدفت عمليتان مماثلتان فرنسا... والكويت»، مضيفاً إنّ «هذا يقيم الدليل على وجوب (وضع) استراتيجية شاملة (لمواجهة الجهاديين) وعلى ضرورة أن توحد كل الدول الديموقراطية حالياً جهودها ضد هذه الآفة».
من جهة أخرى، رأت وزيرة السياحة، سلمى اللومي، أنّ الهجوم الإرهابي «كارثة» على تونس وسيكون له «تأثير سلبي» على الاقتصاد والسياحة في البلاد. وتعدّ السياحة أحد أعمدة الاقتصاد التونسي، إذ تشغّل نحو 400 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر وتساهم بنسبة 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتدرّ ما بين 18 و20 في المئة من مداخيل تونس السنوية من العملات الأجنبية.

إخفاق أمني

قبل بداية شهر رمضان، أعلنت الحكومة التونسية أن بحوزتها معلومات تفيد بأن الجماعات المتشددة تحضّر لرد الضربات الموجعة التي تلقتها في المدة الأخيرة. ومن المعلوم أن هذه الجماعات تعتبر ــ بالاستناد إلى عدد من أدبياتها ــ أنّ شهر رمضان هو شهر الجهاد، ما جعل الحكومة التونسية تتخذ إجراءات أمنية مشددة، لكن قواتها الأمنية لم تنجح في التصدي لعملية أمس استخبارياً.
وفي حديث إلى «الأخبار»، رأى المختص في شؤون الجماعات المتشددة، محمد القوماني، أنّ «العملية الإرهابية التي حصلت في نزل بمحافظة سوسة بعد نهاية أول أسبوع من رمضان، هي مؤشر سلبي على تعثر الخطة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وخاصة أنها وقعت بعد تأكيدات من الجهات الأمنية (باتخاذ) احتياطات كبيرة (تحسباً) لهجمات متوقعة»، مستطرداً أنّ «المنطقة التي نُفذت فيها العملية وقعت فيها سابقاً عملية فاشلة، واليوم بالطريقة نفسها ينجح الإرهابيون في هجمتهم... (في) حصيلة مكلفة جداً وضربة قوية للسياحة التونسية». وتابع قائلاً إنّ «الجماعات الإرهابية تنظر إلى شهر رمضان على أنه شهر الجهاد، وهذه العملية أثبتت أن الخطط الأمنية وحدها لا تكفي لمواجهة الخطر الإرهابي، وخاصة أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في تونس يمكن تصنيفه كعنصر مساعد ويخدم مصلحة الجماعات المتطرفة». وفي 29 تموز 2013، قتل مسلحون خلال موعد الإفطار ثمانية جنود في كمين بجبل الشعانبي (أعلى قمة في تونس) في ولاية القصرين، وأعلن القضاء العسكري آنذاك أن المسلحين جردوا الجنود، بعد قتلهم، من أسلحتهم وبزاتهم العسكرية و»ذبحوا» خمسة منهم. فيما شهد يوم 16 تموز 2014، بالتزامن مع موعد الإفطار كذلك، مقتل 15 جندياً في جبل الشعانبي، في أسوأ هجوم يتعرض له الجيش التونسي.
وتخوف القوماني من تواصل الأعمال الإرهابية خلال شهر رمضان وما بعده، في ظل استمرار وجود الظروف الملائمة لاستقطاب الشباب التونسي، وخاصة أن قدرات الدولة أضعف من وضع حل لهذه الظاهرة.