لا خلاف على أنّ الصواريخ الإيرانية التي استهدفت «داعش» في شرق سوريا جاءت رداً على هجمات التنظيم في طهران، إلا أنها إلى جانب ذلك، هي أيضاً، وربما ابتداءً، رسائل في اتجاهات مختلفة، أقرّ الإسرائيلي أمس بأنها وصلت إليه، وبأنه أول المستهدفين.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أكد ما كان تحليلاً وإشارات صادرة على لسان الخبراء في الإعلام العبري، بأن المستهدف من الصواريخ هو إسرائيل. نتنياهو الذي كان يتحدث أمس في مستهل جلسة كتلة حزب «الليكود»، أوضح من خلال التحذير المعبّر عن القلق أن «لدي رسالة واحدة إلى إيران: لا تهدّدوا إسرائيل». وأضاف «نتابع طوال الوقت النشاطات الإيرانية، بما في ذلك محاولاتها التمركز في سوريا ونقل السلاح إلى حزب الله، وأيضاً نشاطات أخرى». ولفت إلى أن إسرائيل تتابع بدقة كل ما يصدر من مواقف وتصريحات من إيران، في موازاة متابعة نشاطها في المنطقة، وقال «نحن نتابع أفعالهم، ونحن نتابع أيضاً كلماتهم».

شكّلت الضربة محطة
تحول في المعادلات على
مستوى المنطقة

وجاء هذا الموقف بعد صمت رسمي لم يستثن أحداً من المسؤولين الإسرائيليين، الذين تركوا التعليق حتى حينه للإعلام العبري وخبرائه. إلا أنّ موقف نتنياهو من شأنه أن يفتح الباب أمام التعليقات الرسمية لاحقاً، والتي يقدّر أن تصدر تباعاً. أما المؤسسة الأمنية، فسارعت إلى التأكيد، عبر مصادرها العسكرية، أن الحدث استثنائي و«نحن نحلل الآن عملية إطلاق الصواريخ الإيرانية، وفهم تداعيات هذه الخطوة على المنطقة».
والحدث الاستثنائي، كما ورد على لسان مصادر عسكرية إسرائيلية، فرض نفسه على وسائل الإعلام العبرية، التي أكدت أن إطلاق الصواريخ من مسافة تزيد على 600 كيلومتر، لا تستثني إسرائيل، من جملة الرسائل التي حملتها القيادة الإيرانية لصواريخها، التي سقطت على أهدافها في شرق سوريا. صحيفة «يديعوت أحرونوت» أشارت إلى أنّ الخطوة الإيرانية هي إشارة تحذير إلى إسرائيل، وكذلك إلى دول الخليج العربية، وأيضاً إلى الولايات المتحدة. ولفتت إلى أن «عرض القوة الإيراني» الذي يمنحها الهيبة وردع قوة عظمى، كان حتى الآن مرتبطاً فقط بروسيا والولايات المتحدة، اللتين أطلقتا صواريخ دقيقة من هذه المسافات في إطار الحروب في الشرق الأوسط.
وشدد رون بن يشاي في «يديعوت أحرونوت» على أن إطلاق إيران صواريخ من هذه المسافات يمنحها مكانة وهيبة قوة عظمى عسكرية، إقليمية وربما عالمية، و«ينبغي لهذه الخطوة أن تثير قلقاً واهتماماً كبيرين في إسرائيل، لأن من يملك القدرة على أن يصيب بالصواريخ من غرب إيران أهدافاً في شرق وشمال سوريا، قادر بواسطة هذه الصواريخ على أن يضرب الجولان (السوري المحتل) وأيضاً أهدافاً أخرى في إسرائيل».
موقع «واللا» العبري شدّد على أن الضربة الإيرانية جاءت من دون ضرورات عملياتية، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأنها رسالة إلى من يعنيه الأمر، وفي مقدمتهم إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة والدول الخليجية، بأن لديهم العزيمة والقدرة على العمل من مسافة مئات الكيلومترات، أي إنها رسالة تتخطّى في أبعادها مجرد محاربة تنظيم إرهابي.
صحيفة «هآرتس» أشارت أيضاً إلى أن «الخطوة الإيرانية رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة بأن إيران جاهزة لرعاية وحفظ مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومن بينها حفظ نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد». وتوقفت أمام ما سمّته «نقطتين مرجعيتين جديدتين» في الساحة السورية، وذلك في غضون ساعات قليلة: إسقاط الولايات المتحدة طائرة مقاتلة لسلاح الجو السوري عملت على مهاجمة مواقع «المتمردين»، فيما أطلقت إيران صواريخ أرض ــ أرض متوسطة المدى ضد أهداف تابعة لـ«داعش» في سوريا، مع ما تتضمنه من رسائل.
الواضح من المقاربة الإسرائيلية، وفي مقدمتها الموقف التحذيري المعبّر فعلياً عن قلق، الصادر عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن الضربة الصاروخية الإيرانية شكّلت محطة تحول في المعادلات على مستوى المنطقة، وستكون حاضرة لدى صانع القرار في تل أبيب، لدى دراسة أيّ من خياراته العدائية ضد أي طرف إقليمي من محور المقاومة. من جهة ثانية، كشفت إيران عملياً عن جزء من قدراتها الصاروخية وكذلك حجم تصميمها على استخدامها والذهاب بعيداً أكثر ممّا يتصور أعداؤها في المنطقة، بما يتعلق بأمنها القومي. كذلك فإنها أعطت مؤشراً فعلياً وملموساً حول مستقبل التطورات في الساحتين العراقية والسورية. وكل ذلك سيكون حاضراً في مفاعيله وتداعياتها، ليؤثر على رؤية إسرائيل وخططها لسوريا والعراق، بمعيّة شركائها.