في اليوم الثالث والأخير من «مؤتمر هرتسيليا»، تناول وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الأسباب التي حالت حتى الآن دون استكمال إسرائيل هيمنتها الإقليمية، مرجعاً ذلك إلى أنّ كيانه لم ينجح منذ خمسين عاماً في «تحقيق انتصار حاسم».
وفي إجابة عن تساؤلات طرحها بنفسه: «لماذا لا توجد تسوية إقليمية؟ ولماذا قبل عشر سنوات لم نصل الى علاقات دبلوماسية كاملة مع كل الدول العربية؟»، اعتبر أنّ «إحدى المشكلات هي أنه منذ حرب عام 1967، لم ننتصر في أي معركة. وعملياً، إنّ المعركة الحقيقية التي انتصرنا فيها آخر مرة هي حرب الأيام الستة». وبشأن العلاقة بين الأمرين، أطال ليبرمان في الشرح قائلاً: «إنّ غياب الانتصارات يؤدي إلى افتقاد الثقة، ولقد تحدثنا عالياً (رفعنا السقف) عن الكثير من الأمور التي لم يكن لها في النهاية غطاء. لم يكن هناك غطاء للكثير من القضايا التي تحدثنا عن فعلها. مثلاً، عندما خرج الجيش الإسرائيلي من لبنان، هناك من قال إنه إذا أُطلقت طلقة واحدة من هناك، فستهتز أرض لبنان... ولم يحصل شيء. أيضاً، خرجنا من قطاع غزة، فقالوا نحن خرجنا إلى حدود عام 67، وإذا انطلق إرهاب من هناك، فسندمّر. لقد كان هناك الكثير من الوعود التي لم تتحقق، وبعضها أنا توعدت بها أيضاً، لذلك أقول وأوضح: في أي مواجهة مقبلة، يجب أن ننتصر».
وأضاف وزير الأمن الإسرائيلي أنه حصل الكثير من العمليات العسكرية التي يتم دراستها وتعلمها في الأكاديميات العسكرية، وأنّ «المناورة البرية الأخيرة التي قام بها الجيش الإسرائيلي، كانت خلال حرب لبنان الأولى، وما دونها، فكلها عمليات، والانتصار الحقيقي كان في حرب الأيام الستة».
وشدد ليبرمان في كلمته على أن العامل الذي أدى إلى «تأخير تطور علاقاتنا مع الدول العربية المعتدلة، على الأقل لعشر سنوات، كان غياب الحسم والانتصار»، معرباً عن أمله بأن ينجح كيانه خلال السنوات المقبلة «في القيام بخرق استثنائي عبر تحقيق انطلاقة استراتيجية».
ليبرمان الذي كان وزيراً للخارجية بين عامي 2013 و2015، رأى أن دوافع دول «الاعتدال العربي» للتقرب من إسرائيل هي القول: «إذا كنت تريد الارتباط مع أحد، فأنت ترتبط مع شاب وقوي وغني وناجح، أيضاً الدول تحب أن ترتبط مع الدولة القوية والغنية والناجحة والمستقرة»، مستدركاً عبر الإشارة إلى نقطة لافتة: «كل من ربط مصيره بنا خسر، من جد الملك عبدالله، إلى أنور السادات، إلى بشير الجميل وجيش لبنان الجنوبي، وشعوري أيضاً أنهم هم أيضاً لم يقوموا بما هو كاف».
وفي موقف قد ينطوي على إدراك وتسليم راسخ لدى القادة الإسرائيليين بشأن محدودية قدرتهم على تغيير المشهد الإقليمي بشكل جذري، قال: «لا نية لنا للمبادرة بعملية عسكرية لا في الصيف، ولا في الخريف، ولا في الشمال، ولا في الجنوب»، معلناً بشكل صريح: «هدفنا هو منع الحرب». لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الشعارات نفسها قد تصلح لتبرير أي عدوان لاحق، بالقول إنّ إسرائيل لم تكن تريد الحرب، لكن لم يكن أمامها خيارات بديلة.
على المستوى الفلسطيني، اتهم ليبرمان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بأنه يعمل على «زيادة الضغط على حماس في غزة كي يجرّها إلى حرب مع اسرائيل». وأضاف أن عباس يتجه نحو «زيادة التقليص، ووقف دفع الرواتب لغزة قريباً، ووقف نقل الوقود كاستراتيجية مزدوجة: المسّ بحماس وجرّها إلى حرب مع إسرائيل. أبو مازن يعمل وحده ومن دون تنسيق مع إسرائيل أو مع مصر».
وشدد ليبرمان على أنه «لا يمكن التوصل الى تسوية مع الفلسطينيين الآن، بل أدعو الى تحقيق تسوية إقليمية كاملة وعلاقات دبلوماسية واقتصادية كاملة وفوق الطاولة مع السعودية ودول الخليج». وردد المقولة التي باتت جزءاً من الخطاب الرسمي الإسرائيلي لتبرير القفز فوق المسار الفلسطيني، بالقول إن «التوصل الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين قبل التوصل الى تسوية إقليمية لا معنى لها، وفرص تحقيقها ضئيلة».
على صعيد آخر، اتهم ليبرمان حزب الله بأنه «يستغل الوضع في سوريا لفتح جبهة في جنوب سوريا ضد إسرائيل، ويستغل الوضع لتهريب منظومات سلاح متطورة من سوريا الى لبنان، ويستغل الوضع لتعزيز حضوره في جنوب لبنان».

اتُّهِم محمود عباس بالضغط على حماس لجرّها إلى حرب مع إسرائيل
وتوجه إلى النظام السوري بالقول إنه «يتحمل مسؤولية تحويل أراضي سوريا إلى قاعدة ضد إسرائيل»، داعياً إلى أن لا يكون مطار دمشق الدولي قاعدة لتمرير السلاح الى المقاومة في لبنان، ومشدداً في الوقت نفسه على أن إسرائيل «دولة مسؤولة، مع قيادة مسؤولة، تطمح إلى الردع، لكن في ظروف معينة فلن نتردد في العمل». ولفت الى أنه بالرغم من الحوار الأميركي ــ الروسي في ما يخص مناطق «منخفضة التصعيد»، فإنّ «لا شيء يمنعنا من حرية العمل لضمان مصالحنا، وسنعمل من دون علاقة بأي شيء».
وفي سياق الحديث الإسرائيلي عن حزب الله، رأى وزير التعليم ورئيس «البيت اليهودي» اليميني المتطرف نفتالي بينت، أنه «لا يمكن ضرب حزب الله من دون ضرب الدولة اللبنانية»، مشدداً على أن «توضيح هذه المعادلة يمكن أن يمنع المواجهة المقبلة». واعتبر بينت أنّ «المصلحة العليا لإسرائيل، تكمن في منع مواجهة في قطاع غزة وفي كل الجبهات».
من جهة أخرى، تحدث وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان، في كلمة له أمام المؤتمر عن استراتيجية وزارته «لمكافحة العمليات الفلسطينية» في القدس المحتلة، قائلاً: «نحن بصدد إحداث تغييرات جوهرية، وغير مسبوقة، بكل ما يتعلق بمنظومة الحراسة في المنطقة، وذلك من خلال استعمال كاميرات المراقبة، والنقاط العسكرية، ومنظومة الاستخبارات وجمع المعلومات، وذلك في سبيل تقليص العمليات».
وبينما لفت إلى أنّ كيانه «بادر إلى إقامة تحالف دولي من أجل مكافحة الإرهاب»، شدد على أن «هناك فرصة تاريخية من أجل تشكيل هذا تحالف، يضم إسرائيل، أميركا، الدول الأوروبية، الدول العربية المعتدلة، ودول آسيا مثل الهند، إضافة إلى دول أخرى».
ومن على منصة المؤتمر نفسه، تطرق زعيم «المعسكر الصهيوني» إسحاق هرتسوغ إلى لقائه السري مع نتنياهو في مصر قبل نحو عام، قائلاً: «وصلتني دعوات من زعماء عرب، بداية عن طريق وسطاء، ولكن بعد ذلك مباشرة... وفي السنة الماضية كنت مستعداً للسير في عملية سياسية شجاعة، حتى ضد معسكري». إلا أنه قال إنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، «غير قادر على التوصل الى سلام مع الفلسطينيين؛ هو قادر على الكلام لتضييع الوقت».