تونس | إنها الضربة القوية الثانية التي تتلقاها تونس بعد استهداف متحف باردو، في آذار (مارس) الماضي، في وقت أنّ تطور هذه العمليات الإرهابية، التي كانت محصورة ضد قوات الجيش التونسي وحدها والتي جرى استهدافها في أماكن جبلية أو نائية، يشي بأن الجماعات الإرهابية بدلت تكتيكاتها وأساليبها، لتنتقل إلى نطاق تنفيذ العمليات داخل المدن واستهداف السياح الأجانب، واضعة بذلك الدولة التونسية في مأزق صعب، على الصعيدين الدولي والمحلي.
وكانت للعملية الإرهابية في سوسة، والتي راح ضحيتها 39 قتيلاً وأربعون جريحاً، تداعيات كبيرة على صعيد قطاع السياحة، الذي كان يسعى إلى تعويض خسائره المتواصلة منذ أربع سنوات، في الوقت الذي بات فيه من المؤكد أن تونس لم تعد تونس ذاتها بعد هذه العملية، بالنسبة للسياح أو حتى لرجال الأمن التونسيين الذين يستعدون لخوض معركتهم الأصعب ضد الإرهاب.
«أين؟ ومتى؟ ومن؟»
ظُهر يوم الجمعة الماضي، بدأت العملية وبدأ هجوم سيف الدين الرزقي (24 عاماً) ــ معروف لـ«داعش» باسم «أبو يحيى القيرواني» وينحدر من ولاية سليانة ــ الذي يدرس تخصص الماجستير في الهندسة الكهربائية، وقد عمل سابقاً في المنطقة السياحية في ولاية سوسة، ما يفسر تحركه فيها بثقة ومعرفة تامتين.
كانت التداعيات قاسية وخاصة على صعيد السياحة التي شكلت لسنوات طوال عموداً هاماً للاقتصاد التونسي

خرج الرزقي من جهة البحر، وهو يخفي بندقيته الآلية داخل مظلة، ثم بدأ بإطلاق النار على السياح عند الشاطئ، وانتقل بعدها الى مسبح الفندق ومن ثم إلى داخله، ملقياً قنبلة يدوية ومواصلاً إطلاق النار، قبل أن يتم الإجهاز عليه من قبل رجال الأمن التونسيين خارج أسوار الفندق.
ينبغي التوقف قليلاً عند بعض النقاط لإثارتها عدداً من الأسئلة: بحسب ما ظهر، فإنّ استخدام الرزقي للكلاشينكوف ولقنابل يدوية بصورة تعكس التمرس عليها، أمر يحمل مؤشرات خطيرة، إذ إن مقومات هذه العملية لا تعتمد على توفير السلاح وحده، الذي يبدو أنه أصبح من السهل تهريبه من ليبيا، لكن المسألة هنا مرتبطة بسؤال محوري: أين ومتى تمكن هؤلاء الإرهابيون من التدرب على السلاح؟ ومن هو الذي دربهم عليه؟
وتشير التحريات الأولية إلى أن الرزقي لم يغادر التراب التونسي، على الأقل بشكلٍ رسمي، ما يشير إلى احتمالية التدرب على السلاح في تونس، الأمر الذي يدفع نحو ضرورة البحث عن مكان وآليات التدريب، وخاصة أننا نتحدث عن احتياجات لوجود ميدان واسع للرماية، مضمون أمنياً، مع إمكانية التدرب فيه على إلقاء القنابل اليدوية التي تعدّ مسألة دقيقة وبحاجة إلى تدريب خاص.
وربطاً بما سبق، ينبغي أيضاً السؤال عن هوية المدرب. فالمدرب ينبغي أن يكون متمرساً وقادراً على وضع جدول زمني ممتاز ومكثف لتدريب هؤلاء الإرهابيين على مهارات استخدام الأسلحة بأسرع وقت ممكن، وفي ظل ظروف أمنية وميدانية بالغة التعقيد قد تودي بهم إلى الانكشاف في أي لحظة. إن الحصول على إجابات شافية بكل التفاصيل عن هذين السؤالين كفيل بتدمير حلقات هامة من التسلسل الهرمي الخاص بالمجموعات الإرهابية التابعة لـ«داعش» في تونس.

التداعيات وسبل المعالجة

عقب العملية، توعد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، أمام وسائل الإعلام المختلفة، بالقيام بإجراءات ستكون شديدة الوطء على المجموعات الإرهابية التي تقف وراء العملية، مؤكداً أن «الدولة التونسية ستتحمل مسؤوليتها، وستتخذ إجراءات موجعة بدءاً من الليلة»، ما يشير الى وجود تغيير شامل في «قواعد المواجهة الأمنية» ضد المنتمين للمجموعات التكفيرية التي تقف وراء هذا الهجوم، برغم أنه لا السبسي ولا أي مسؤول رسمي آخر أشاروا إلى تفاصيل دقيقة أو شافية بشأن السبل التي ستقوم من خلالها الدولة التونسية بمواجهة الإرهاب.
أما على صعيد الاقتصاد، فقد كانت التداعيات قاسية، وخاصة على صعيد السياحة التي شكلت لسنوات طوال عموداً هاماً للاقتصاد التونسي. ووقوع هذه العملية في وقت الصيف الذي يعد «الموسم الأساسي» للسياحة في تونس قد أدى إلى «تبعات كارثية» على هذا الموسم. وجاء ذلك صراحة على لسان وزيرة السياحة التونسية، سلمى الرقيق، التي أكدت في تصريحات صحافية للقناة الفضائية الأولى التونسية الرسمية، أن عملية سوسة الإرهابية «تعد كارثة للاقتصاد والسياحة التونسيين»، مضيفة إنه ينبغي الآن البحث عن آليات وحلول لمعالجة ما خلفته هذه الكارثة من أجل إنقاذ الموسم السياحي الحالي، كتنشيط السياحة الداخلية التونسية، ومحاولة استقطاب السياح من دول الجوار.
عموماً، يدرك الرئيس التونسي جيداً أن الإرهاب مسألة دولية معقدة وبحاجة إلى معالجة مشتركة وتضافر الجهود الدولية معاً لتحقيق انتصارات ملموسة على صعيدها. كما يدرك مختلف المسؤولين التونسيين أن المعالجة الأمنية لقضية الإرهاب وحدها ليست كافية، إذ إن هذه القضية تحتاج إلى إشراك مختلف الجهات المجتمعية والمؤسسات المحلية لاستئصال هذه الظاهرة، مع القيام بحملات توعية تستهدف فئتي الشباب والمراهقين على وجه الخصوص.