بغداد | يطغى الطابع العشائري على محافظة الأنبار، التي تضم العديد من القبائل أبرزها «زوبع» التي تنتشر في الفلوجة والكرمة والعامرية، بينما تنتشر «دليم» من جهتي شرق وغرب الأنبار. هناك أكثر من 200 عشيرة، وكان أغلبها حاضنة ومساندة منذ عام 2003 للمجاميع المتطرفة مثل تنظيم «القاعدة» و«الجيش الإسلامي» و«حماس العراق» و«كتائب ثورة العشرين» وغيرها.
الانقسام بين عشائر محافظة الأنبار ظهر جلياً بعد عام 2006، وبالتحديد بعد تشكيل «الصحوات» التي حجمت تنظيم «القاعدة» الذي كان يحكم المحافظة، وغيّرت موازين القوى المحلية. صعدت الطبقة المسحوقة التي كانت غير مستفيدة من النظام البعثي وبدأت تتحكم في مصير الأنبار والانصياع لأوامر المسلحين العرب في «القاعدة».
الصراع العشائري زاد في التظاهرات التي انطلقت عام 2013 بعد توجيه اتهامات لوزير المال السابق رافع العيساوي. انقسمت العشائر إلى نصفين، الأول مؤيد للتظاهرات ولتصعيد الخطاب ضد الحكومة المركزية، والثاني معارض كان مدعوماً من حكومة نوري المالكي حينها، وتموله بالمال والسلاح.
ترفض الحكومة تسليح
العشائر مخافة وصول السلاح لـ«داعش»

بعد اجتياح «داعش» لمحافظة الأنبار، ازداد الشرخ بين عشائرها، فانقلبت الموازين وأيد بعض العشائر «داعش» فيما رفضه بعض آخر من بينه من كان حاضراً في منصات التظاهر مثل «البوريشة» و«البونمر» و«البوعلوان». تتعامل الحكومة العراقية بحذر شديد مع عشائر الأنبار، إذ ترفض تسليحها بشكل علني، وذلك خوفاً من تسليم السلاح إلى «داعش»، لأن غالبية العشائر منقسمة بولائها بين الحكومة و«داعش». وتحدث ضابط رفيع المستوى في وزارة الداخلية، رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»، أن «الحكومة ترفض تسليح العشائر في الأنبار، لأن بعض مقاتلي العشائر يتعاملون مع داعش ويستهدفون القوات الأمنية التي تقاتل إلى جانبهم، فهم عنصر استخباري يزود داعش بتحركاتنا»، لافتاً إلى أن «الأزمة في محافظة الأنبار معقدة جداً ومن الصعب الاكتفاء بالحل الأمني، لأن هناك أولاد عمومة يتقاتلون في ما بينهم؛ البعض مع داعش ليس فكراً وإنما بسبب مصالحه التي ضربت خلال الحكم الحالي».
خضر الجغايفي، شيخ عشيرة «الجغايفة» في قضاء حديثة، كشف أن «هناك عشائر تؤيد داعش بشكل شبه كامل مثل العانيين والراويين والكرابلة والمعاضيد وهم يفرضون سيطرتهم على العديد من الأقضية في الأنبار». وبيّن الجغايفي، في حديث لـ«الأخبار»، أن «هناك بعض الأشخاص من عشيرة الجغايفة والبونمر تقاتل إلى جانب داعش وتبرأنا منهم». وأضاف أن «بعض شيوخ عشائر الأنبار، حصل على أموال من خارج العراق وأعلن تأييده لتنظيم داعش»، لافتاً إلى أن «وحدة الأنبار ستساهم في تطهيرها من الإرهاب». من جهته، قال شيخ عشيرة «البونمر»، نعيم الكعود، إن «مجزرة بحق عشيرة البونمر ارتكبتها بعض العناصر وراح ضحيتها أكثر من الف شخص وقد تعرفنا على منفذيها»، مشدداً على أن «الصراع بين عشائر الأنبار سيؤدي إلى تحرير محافظة نينوى ولن يؤدي لتحرير الأنبار التي ستبقى بيد داعش».
وأشار الكعود، لـ«الأخبار»، إلى أن «هناك بعض الأفراد من العشائر أصبحوا خارج إطار قانون العشائر وانتموا لتنظيم داعش».
في المقابل، أوضح رئيس «مجلس ثوار العشائر»، رعد السليمان، أن «الانقسام غير موجود داخل عشائر الأنبار، لكن يوجد رفض عشائري لدخول قوات الحشد الشعبي»، مبيّناً أن «هناك العديد من الفصائل المسلحة تقاتل إلى جانب داعش منها تنظيم القاعدة وكتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامي وحماس العراق وغيرها».
السليمان حمل الحكومة وإيران سبب انضمام العديد من رجال العشائر إلى « داعش»، ولفت إلى أن «الحكومة غير جادة في تحرير المحافظة ودعم عشائرها، إضافة إلى أن رئيس الحكومة حيدر العبادي بدأ يتنصل من وعوده».
من جانبه، قال رئيس «صحوة العراق»، وأحد شيوخ عشائر الأنبار، وسام الحردان، لـ«الأخبار»، إن «الانقسام بين العشائر يظهر في وسائل الاعلام فقط، لأن قضية دخول الحشد الشعبي حسمت وهو موجود الآن في محافظة الأنبار يقاتل تنظيم داعش». وأضاف الحردان أن «بعض شيوخ العشائر رضوا بالذل والمهانة والتحقوا بتنظيم داعش وبايعوه، مما يبيّن أن عشائر الأنبار جزء مع الوطن وجزء مع الاحتلال الداعشي»، وشدد على أن «الحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على جميع رجال العشائر من خلال دعمهم وعدم خذلانهم في المعارك».
عضو مجلس محافظة الأنبار، عذال الفهداوي، شدد على أن «هناك شيوخ عشائر خارج العراق والمحافظة يعملون على إسقاط الأنبار بيد داعش من خلال تصريحاتهم المدفوعة الثمن»، مبيّناً أن «بعض شيوخ عشائر الأنبار التحقوا بداعش وبايعوهم من خلال ظهورهم بوسائل الاعلام ما يؤكد أن هؤلاء هم بالأساس مع داعش».
وأشار الفهداوي إلى أن «عشائر الأنبار تبرأت من شيوخ العشائر التي تقاتل إلى جانب داعش وهدرت دمهم»، مؤكداً أن «شيوخ وسائل الاعلام والفنادق لا يرغبون بتحرير الأنبار ويرفضون الحشد الشعبي الذي هو مرحب به تماماً من أهالي المحافظة». الكاتب السياسي، مازن الزيدي، رأى أن «عشائر الأنبار تواجه انقساماً مزدوجاً، الأول اجتماعي والآخر سياسي، وهو ما انعكس على نحو واضح في فشل التدابير الأمنية للحكومة المحلية منذ مطلع 2014 التي بدأت باحتلال داعش لمدينة الفلوجة وانتهت أخيراً باحتلال التنظيم للرمادي».
وأضاف الزيدي أن «الانقسام الاجتماعي في الأنبار منذ 2003 أدى إلى تناحر واضح بين شيوخ القبائل، وحتى داخل القبيلة الواحدة، متسبباً بتآكل سلطة العشيرة في المجتمع العشائري، الامر الذي فتح الباب واسعاً أمام ولادة ظاهرة التطرف الديني التي تجلت بشكلها الواضح في القاعدة ولاحقاً داعش». وأضاف الزيدي أن «هذا الانقسام الاجتماعي اتخذ شكلاً راديكالياً على المستوى السياسي، بين الأحزاب، وتمثل بصراع محموم على المناصب في الحكومة المحلية، فقد ضربت الأنبار رقماً قياسياً، على مستوى العراق، باستبدال وإقالة المحافظين ورؤساء مجلس المحافظة بالإضافة إلى مديري الأقسام والدوائر».
وأشار إلى أن «سقوط الرمادي هو نتيجة لاستفحال الصراع العشائري/السياسي الذي تحول إلى فساد نخر المؤسسات الأمنية وفتح المدينة أمام داعش بعد تخاذل الآلاف من منتسبي الأجهزة الأمنية، كما تسبب الفساد بتردي الواقع الخدمي الذي أثار استياء الأهالي على الحكومة المحلية والحكومة المركزية». وأكد أن «تنظيم داعش لعب على وتر الانقسام وطرح نفسه منقذاً لأهالي الأنبار من فساد الطبقة السياسية في محافظتهم وصراع شيوخ العشائر».