على خطّين مختلفين حاولت الأطراف المعنية بتسوية حلب، فرض شروطها وثقلها في عملية التفاوض. فبعد عودة الاشتباكات ليل أول من أمس إلى الأحياء الشرقية عبر مفخخة يقودها انتحاري من «جبهة النصرة»، كانت الفصائل المسلحة تشنّ هجوماً نحو محور مدرسة الحكمة قرب المدينة. فشل الهجومان اليائسان بالتزامن مع رفع دمشق صوتها تجاه الاتفاق الروسي ــ التركي الأوليّ، لتعمد بعدها بالتنسيق مع موسكو الى إدخال تعديلات على الاتفاق عبر ضمّ «قضية» قريتي كفريا والفوعة الإدلبيتين إلى الصيغة النهائية، حيث يُحاصر آلاف المدنيين والجرحى.
عملياً، فرضت دمشق إرادتها ليبصر صباح اليوم الاتفاق النور وتبدأ القوافل بالتحرك نحو القريتين والأحياء المتبقية تحت سيطرة المسلحين في حلب. لكن حتى مساء أمس، منعت «النصرة» وصول القوافل إلى كفريا والفوعة لينتهي يوم الخميس بإخراج عدد من المدنيين والجرحى من حلب فقط. وعلمت «الأخبار» أنّ ضغوطاً تركية تمارس على مسلحي «جيش الفتح» في إدلب لتنفيذ «حصتهم» من الاتفاق، إذ تُعدّ أنقرة كفيلة الجانب المعارض في التسوية المعقودة.
المسألة حُسمت وبقيَت طرق التنفيذ التقنية مع وعود بإكمال القوافل طريقها نحو القريتين المحاصرتين اليوم لاستكمال إخراج بقية المسلحين وعوائلهم والمدنيين من حلب.

عبّر دي ميستورا عن قلقه من تحول مدينة إدلب إلى «حلب ثانية»

وشهد أمس، خروج ما يزيد على 2000 من المسلحين والمدنيين على دفعتين من المدينة باتجاه الريف الغربي، إلى جانب تجهيز دفعة ثالثة في وقت متأخر من مساء أمس. الدفعة الأولى المؤلفة من 20 حافلة وصلت إلى مدينة إدلب وعلى متنها حوالى 30 مصاباً تم نقل معظمهم إلى مشافٍ ضمن المدينة، لتعود وتخرج دفعة ثانية من 15 حافلة ضمت 1198 شخصاً، بينهم 12 مصاباً، وفق ما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي في مجال الإغاثة.
الحصيلة الإجمالية للدفعتين، أوردها بيان للجنة الدولية للصليب الأحمر، أوضح أن «نحو 3000 مدني وأكثر من 40 مصاباً، من بينهم أطفال، تم إجلاؤهم من شرق حلب في جولتين من الإجلاء»، مضيفاً أن «قافلة ثالثة بدأت بعد الغروب طريقها إلى حلب». وقال مدير عمليات الصليب الأحمر في الشرق الأدنى والشرق الأوسط، روبرت مارديني، في مقابلة مع وكالة «رويترز»، إن «الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين نقلوا اليوم هم مدنيون»، مضيفاً أن «الأولوية لا تزال لإجلاء المصابين بجروح خطيرة لأنها مسألة حياة أو موت». وفي معرض رده على سؤال حول إجلاء المقاتلين الذين لا يزالون في شرق حلب، قال: «ليست لدينا خطط واضحة... هذه أمور يجري التفاوض عليها، بينما نواصل العمل».
وعلى الجانب الآخر من الاتفاق، بقيت شحنة المساعدات الإغاثية والطبية خارج بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، بعد منعها من قبل مسلحي «جبهة فتح الشام». وتؤكد مصادر أن الجانب التركي يجري مباحثات مع قادة «فتح الشام» ويضغط لتمرير القافلة وإتمام بنود الاتفاق. وكانت 29 شاحنة وسيارة إسعاف مزودة بفرق طبية، قد اتجهت أمس، إلى قريتي الفوعة وكفريا لإجلاء الجرحى وعائلاتهم. وكان المتحدث العسكري لجماعة «نور الدين الزنكي» قد أوضح لوكالة «رويترز» أن الاتفاق شمل إجلاء أشخاص من القريتين في ريف إدلب، وهو شرط وضعه الجانب الحكومي السوري لإبرام اتفاق الهدنة.
وفيما تحدثت بعض المصادر المعارضة عن حدوث إطلاق نار خلال خروج الدفعة الأولى من المسلحين في حلب، قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا لوكالة «رويترز» الموجودة في منطقة الراموسة جنوب حلب، إن عمليات الإجلاء «مرت بسلاسة وهدوء تام»، مشيرة إلى أنها «لم تر أي فحص لأوراق الهوية».
بدورها، تعهدت روسيا بالتزام وقف للعمليات العسكرية في محافظة إدلب التي سينقل عبرها وإليها المسلحون والمدنيون الخارجون من داخل حلب، وفق ما أوضح رئيس مجموعة العمل للمساعدة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة يان إيغلاند، الذي أضاف أن «غالبية المغادرين فضّلوا التوجه إلى إدلب، وهناك مخيمان يمكن أن يستقبلا مئة ألف شخص». وحرص إيغلاند على توضيح أن الأمم المتحدة «تمت دعوتها فقط للإشراف والمساعدة في عمليات الإجلاء»، مؤكداً أنه «لم يتم بحث الاتفاق مع الأمم المتحدة، ولم نكن طرفاً فيه».
وفيما استقبلت عدة منظمات إغاثية دولية في منطقة خان العسل غرب حلب بدورها القوافل المغادرة، كان لافتاً حضور مدير منظمة الهلال الأحمر التركي كرم قنق، على رأس فريق من المنظمة لمتابعة العملية من محيط مدينة حلب، وفق ما أفادت به وكالة «الأناضول».
الحضور والاهتمام التركي بهذا الاتفاق وصل حتى الى الرئاسة، إذ قال الرئيس رجب طيب إردوغان إنه بحث الوضع في حلب عدة مرات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأجرى مكالمة طويلة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. وأضاف خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السلوفيني بوروت باهور، أنه بحث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سبل توفير المساعدات لسكان حلب، موضحاً أن ميركل أعربت عن «استعداد بلادها للمشاركة بكل الطرق الممكنة في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية».
من جانبه، قال نائب رئيس الوزراء التركي ويسي قايناق، إن بلاده تتخذ كل ما يلزم من أجل توفير الرعاية الصحية للمرضى والجرحى الذين تم إجلاؤهم من مدينة حلب. على صعيد متصل، أعرب المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، عن قلقه من تحول مدينة إدلب إلى «حلب ثانية... في حال عدم التوصل إلى حل سياسي». وأوضح خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، أمس، أن «هناك 50 ألف شخص، بينهم 40 ألف مدني، يقيمون للأسف في هذا القسم (الذي تسيطر عليه المعارضة) من حلب. فيما يقدّر الآخرون وهم مقاتلون، بين 1500 وخمسة آلاف، إضافة إلى عائلاتهم».
واستجلب إتمام اليوم الأول من الاتفاق استنكار الدول الغربية، إذ استدعت وزارة الخارجية البريطانية السفيرين الروسي والإيراني في لندن، للتعبير عن قلقها الشديد من تطورات الأوضاع في مدينة حلب.
بدوره، رأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن ما تقوم به حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في حلب «ليس أقل من مذبحة». وأضاف في مؤتمر صحافي أن بلاده تسعى إلى وقف للأعمال القتالية في حلب بشكل فوري ودائم وقابل للتحقق، داعياً المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط من أجل دفع العملية السياسية في سوريا.
إلى ذلك، يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً اليوم، بطلب من فرنسا لبحث الوضع الإنساني في حلب. وأشار مندوب فرنسا لدى المجلس فرنسوا ديلاتر، إلى وجود مبادرة أوروبية لـ«نشر مراقبين دوليين لمراقبة الوضع في المدينة».
وبالتوازي، دعا الرئيس السابق لوفد التفاوض التابع لـ«الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة، أسعد الزعبي، إلى زيادة الدعم العسكري من دول الخليج العربي لجماعات المعارضة المسلحة عقب سيطرة القوات الحكومية على حلب. وأشار في تصريحات لوكالة «رويترز» من العاصمة السعودية الرياض، إلى أن الموقف الراهن يتطلب دعما إضافياً... وأسلحة متخصصة منعت الولايات المتحدة شركاءها الخليجيين من تقديمها».
(الأخبار)