على الرغم من التعقيدات التي تلفّ تطبيق اتفاق التسوية في مدينة حلب، يبدو أن جميع الأطراف التي انخرطت فيه تسعى إلى إنجاحه في أسرع وقت ممكن. وتشير المعطيات إلى أن الرعاية التركية ــ الروسية التي مكّنت من ضبط شبه كامل لالتزام الفصائل المسلّحة، باستثناء الخرق الأخير الذي حصل أمس على مدخل بلدتي كفريا والفوعة، ستعزز عملها في محاولة لإنهاء ملف التسوية في حلب والبلدات المضافة إليه، بعيداً عن الضجّة الدولية التي تقودها فرنسا وحلفاؤها الغربيون في مجلس الأمن.
وقد يكون إعلان وزارة الخارجية الإيرانية، أول من أمس، تقديم موعد اللقاء الثلاثي لوزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا، إلى يوم غد، أي قبل أسبوع كامل من موعده المقرر، مؤشراً واضحاً على تلك الرغبة المشتركة، خاصة أنه أتى قبيل اتصال بين الرئيسين التركي والروسي، تم خلاله التأكيد على ضرورة إزالة جميع العقبات من طريق الاتفاق. وضمن هذا الإطار، لا يمكن إغفال التصريحات التي أدلى بها قائد «غرفة عملیات حلفاء سوريا»، عن الحرص على إنجاح الاتفاق رغم خروقات المسلحين.
وكان المشهد حتى مساء أمس يوحي بأن الاتفاق المترنّح على مدى أيام، أصبح مهدداً بالانهيار، قبل أن يتم الإعلان، في وقت متأخر من الليل، عن خروج عدد من الحافلات التي تقل عدداً من المسلحين وعائلاتهم، من القسم الجنوبي للأحياء الشرقية لمدينة حلب، باتجاه منطقة الراشدين 4، عبر معبر الراموسة، من دون ورود أيّ معلومات حول خروج أي حافلات من بلدتي كفريا والفوعة.
الانفراج أتى بعد يوم شهد توتراً كبيراً وحرّك اتصالات ديبلوماسية عالية المستوى، بعد قيام مسلحين بإحراق عدة حافلات كانت تستعد للدخول إلى بلدتي كفريا والفوعة. وهو ما استدعى وقفاً لإجراءات الإجلاء التي كانت تشهدها مدينة حلب بالتزامن مع البلدتين، وخروج الحافلات هناك من الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون، فيما نقلت وكالة «فرانس برس»، عن مراسلها الموجود حينها على أطراف كفريا والفوعة، ما مفاده أن «نحو عشرين مسلحاً هاجموا خمس حافلات على الأقل، قبل دخولها إلى البلدتين لإجلاء السكان».

اتهمت أوساط المعارضة «فتح الشام» بحرق الحافلات
لتعطيل الاتفاق

وقال المراسل إنهم «عملوا على إنزال السائقين قبل إقدامهم على إطلاق النار على الحافلات وخزانات الوقود، ما أدى إلى احتراقها بالكامل». وأتى ذلك بعد دخول خمس حافلات أخرى إلى البلدتين، بالتوازي مع بدء الحافلات التي تقل مسلحين وأسرهم بمغادرة أحياء الزبدية وصلاح الدين والمشهد والأنصاري، وفق ما ذكر التلفزيون الرسمي السوري، وهو ما تم إلغاؤه بعد ما حصل في محيط كفريا والفوعة، ليعاد استئنافه ليلاً.وبعد التوقف المؤقت لتطبيق الاتفاق، خرجت مصادر مقربة من الفصائل المعارضة باتهام «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة) بحرق الحافلات لتعطيل الاتفاق «بعد خروج عناصرها من مدينة حلب»، و«بعدم الاكتراث بمصير باقي المقاتلين في المدينة». وأشارت تلك المصادر إلى أن المسلحين ينتمون إلى «جند الأقصى» الذي كان قد أعلن «بيعته» في وقت سابق لـ«جبهة فتح الشام». وفي المقابل، نشرت عدة حسابات مقرّبة من «فتح الشام» على «تويتر» صوراً من تسجيلات الفيديو التي أظهرت عملية إحراق الحافلات، وادّعت أن عدداً من المسلحين الذين يظهرون ينتمون إلى «لواء شهداء إدلب» و«حركة أحرار الشام».
بدوره، ألقى المفاوض الوسيط في الاتفاق، الشيخ عمر رحمون، في تغريدة له على «تويتر»، بمسؤولية تعطيل الاتفاق على «جبهة النصرة»، مطالباً «الطرف المفاوض بممارسة صلاحياته لتطبيق كافة بنود الاتفاق، قبل فوات الأوان»، ليعود ويشير إلى أن «الاتصالات حثيثة ومتواصلة لتلافي ما حدث»، موضحاً أن مصدراً في وفد التفاوض من جانب الجماعات المسلحة ذكر أن «كل الاجراءات اللازمة لحماية الباصات العائدة من الفوعة قد اتخذت، والأمور تجري نحو إتمام الاتفاق».
وفي هذا السياق، أكد قائد «غرفة عملیات حلفاء سوريا» أن ما حصل أمس «یُعتبر عملاً لا إنسانياً ولا أخلاقیاً وإجرامياً، وهو تعبیر عن العدوان المستمر علی کرامة الناس والاستخفاف بحیاتهم»، مشدداً على أن «عناصر المسلحین الذین یریدون الخروج بسلاحهم الفردي، سينتظرون خروج المدنیین من قریتي كفريا والفوعة، وأي تأخیر سيكون بسببهم وتحت مسؤولیتهم».
وأكد أنه «ما زال أمام الدول الراعیة وصاحبة التأثیر علی المسلحین والجماعات الإرهابیة فرصة لإیجاد الحل المناسب، انطلاقاً من تسریع خروج المدنیین بشكل آمن بما یرضي الجمیع»، محمّلاً «المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانیة المسؤولیة التاریخیة لعدم اهتمامها بقضیة أهالي کفریا والفوعة المحاصرتین منذ سنوات، وندعوها إلى الاهتمام بمناطق أخری في سوریا، کدیر الزور وغیرها».
ولفت إلى الحرص على إنجاح الاتفاق، موضحاً أنه «کان بین أیدینا أحد أهم قادة المسلحین في حلب، ولم یتعرض له أحد، وتمت إعادته إلی الأحیاء الشرقیة». وختم بالتأكيد على «احترام اتفاقیات الدولة السوریة... لحمایة المدنیین السوریین من إرهاب المجموعات المسلحة».
وكان الرئيسان، التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، قد بحثا أمس آخر التطورات في مدينة حلب، خلال اتصال هاتفي، وفق مصادر في الرئاسة التركية. وشدد أردوغان على «ضرورة إزالة العراقيل التي تشوب عملية إجلاء المدنيين من شرقي حلب»، فيما أكّد الرئيسان «ضرورة تكثيف الجهود من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، والبحث عن حلول سياسية». كذلك جدّدا بحث فكرة عقد مفاوضات سورية موسعة في كازاخستان، لإعداد الأرضية المناسبة لحل الأزمة.
وضمن سياق متصل، بحث الموفد الخاص للرئيس بوتين إلى سوريا، الكسندر لافرينتييف، مع مسؤولين إيرانيين في طهران أمس، الوضع في حلب والتنسيق العسكري والسياسي بين البلدين في سوريا. ورأى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال لقاء مع لافرينتييف، أن «تحرير حلب يأتي نتيجة المبادرة المشتركة لإيران وروسيا وسوريا والمقاومة»، مضيفاً أنه «كشف سياسة الغرب وحلفائه الإقليميين ودعمهم للمجموعات الارهابية». واتهم شمخاني «وسائل إعلام غربية وعربية وعبرية بنشر أنباء كاذبة حول الخسائر البشرية في حلب، والتزام الصمت حيال ضرورة إجلاء الجرحى والمسنين من الفوعة وكفريا المحاصرتين من قبل الإرهابيين».