بعيداً عن الجبهات المرهونة لاتفاقات وقف إطلاق النار في أستانا وعمان، يتابع الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم على طول جبهات البادية المشتركة مع تنظيم «داعش» وفصائل البادية المدعومة أميركياً. وبعد إطلاق مرحلة ثانية من عمليات «الفجر الكبرى» في بادية ريف دمشق والسويداء، فرض الجيش نشاطاً عسكرياً قوياً مكّنه من تضييق الخناق على مسلحي «جيش أسود الشرقية» و«قوات أحمد العبدو» المتمركزة في محيط منطقة بير القصب، شرق مطار خلخلة العسكري.
التقدم الأخير للجيش وحلفائه أمس على تلك الجبهة، أفضى إلى سيطرته على مناطق خبرة رقبة وأرض أبو خشبة وتل مخروطة، الواقعة إلى الجنوب من جبل سيس في ريف دمشق الشرقي. وبالتوازي حققت قواته تقدماً مهماً انطلاقاً من منطقة الزلف في أقصى ريف دمشق الجنوبي الشرقي، والواقعة إلى الشرق من تل الصفا، وسيطرت على مساحة تقارب 200 كيلومتر مربع، وتمتد على طول 20 كيلومتراً وصولاً إلى منطقة جبل الجرين. ويضع التقدم الأخير الجيش على مشارف إطباق حصار كامل على الفصائل المسلحة العاملة غرب تلك المناطق، إذ تفصل قواته المتمركزة في جبل الجرين حوالى 14 كيلومتراً عن تلك المتقدمة جنوباً في منطقة خبرة رقبة. وتطرح هذه التطورات أسئلة حول مصير تلك الفصائل المسلحة العاملة على هذا المحور، فهي تلقى دعماً أميركياً غير رسمي أو معلن، ولكنها لا تحظى ــ أقله على هذه الجبهة ــ بدعم من قوات «التحالف الدولي»، على عكس «مغاوير الثورة» العاملة شرقاً في محيط التنف. وقد يكون لافتاً ما نقلته وسائل إعلام معارضة عن فتح فصيل «أسود الشرقية» باب الانضمام إلى صفوفه في تركيا، مع تأمين نقل الراغبين «جوّاً» إلى مناطق عمله. وهو ما قد يؤشر إلى احتمال انضواء تلك الفصائل بشكل مباشر تحت راية «التحالف» في حال اضطرت إلى الانسحاب شرقاً، تحت الضغط العسكري للجيش وحلفائه.
وعلى محور آخر، وبعد فترة من وقف العمليات على جبهة الرصافة لصالح تأمين الطريق الممتد نحو إثريا، عاد الجيش وحلفاؤه لينشطوا على تلك الجبهة، وتحديداً جنوب مدينة الرصافة على الطريق الموصل إلى جبل الِبشرِي في ريف دير الزور الغربي. وسيطر الجيش أمس على مناطق بئر العتاو وبئر الزناتي وبئر حوران، التي تبعد أقل من 15 كيلومتراً عن حدود محافظة دير الزور الإدارية.

لفتت عمّان إلى أن بنوداً عدة في «اتفاق الجنوب» قد تبقى غير معلنة


وبينما تشهد جبهات الجنوب السوري هدوءاً حذراً، ينتظر ما ستفضي إليه النقاشات الأميركية ــ الروسية التقنية حول آليات وبنود اتفاق «منطقة تخفيف التصعيد»، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، ليشيد من باريس بصمود وقف إطلاق النار هناك، وليعلن أن بلاده تعمل مع روسيا على «اتفاق ثان لوقف إطلاق النار في منطقة بالغة الصعوبة في سوريا». وتتقاطع إشارة ترامب مع ما جرى الحديث بشأنه حين زيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون لأنقرة، لبحث تفاصيل الهدنة ومنطقة «تخفيف التصعيد» في إدلب، وهي المنطقة التي شهدت خلافات كبيرة حين نقاشها في أستانا.
ومن شأن دخول الأميركي على طاولة المفاوضات في الشمال، بعيداً عن مسار المحادثات في العاصمة الكازاخية، أن يعيد المشهد السوري إلى زمن «الاحتكار» الأميركي ــ الروسي لمسار التسوية السورية في عهد باراك أوباما، والذي انتهى عقب انهيار «اتفاق جنيف» بين البلدين حول مدينة حلب. ويمكن قراءة الاندفاع الأميركي لإخراج مناطق التهدئة من أوراق أستانا، من باب سعيها الحثيث لإضعاف النفوذ الإيراني على الساحة السورية، ولا سيما أن طهران فرضت نفسها كدولة ضامنة لعملية التهدئة في أستانا. وفي سياق متصل، بدا لافتاً ما أوضحه المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، عن أن عدداً من تفاصيل الاتفاق قد «تبقى غير معلنة أو متاحة للإعلام»، مشيراً في الوقت نفسه إلى صعوبة وضع إطار زمني للانتهاء من إعداد بنود الاتفاق.
وفي غضون ذلك، تابع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لقاءاته في إطار محادثات جنيف. وناقش أمس مع الوفد الحكومي تفاصيل حول «سلة مكافحة الإرهاب»، في موازاة اجتماعات تقنية عقدها فريقه مع خبراء من الوفد نفسه. ويحاول دي ميستورا في المقابل تحقيق توافق بين وفود المنصات المعارضة الثلاث، على ورقة المبادئ الـ(12) التي تتضمن تصوراً بخطوط عامة لمستقبل سوريا ضمن إطار القرارات الدولية ذات الصلة. وتشير المصادر المطّلعة على سياق المحادثات إلى استمرار الخلاف بين وفدَي منصّتي موسكو والقاهرة من جهة، ووفد «الهيئة العليا» المعارضة من جهة أخرى، حول عدد من النقاط الرئيسية المطروحة للنقاش. وفي الوقت نفسه، تم اقتراح تشكيل لجنة من الوفود الثلاثة لمتابعة النقاشات الهادفة إلى «تفاهم مشترك» يساعد على تشكيل وفد واحد يشارك في المحادثات.
(الأخبار)