القاهرة | تواجه المصورة إسراء الطويل (23 عاماً) خطر الإصابة بالشلل بعد منعها من تلقي العلاج الطبيعي في قدميها، إذ تعالج الطويل من آثار إصابة بطلق ناري في ظهرها سبب لها شللاً في قدميها منذ عام ونصف، حينما كانت تصور أحداث الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير. الطويل اختفت قسرياً لمدة 16 يوماً، ثم ظهرت في أحد السجون حيث رآها محام حقوقي مصادفة، وفي اليوم التالي عُرضت على النيابة، إذ وجهت إليها تهم «الانضمام إلى جماعة إرهابية وتكدير السلم العام». عقب أول زيارة قامت بها عائلتها للسجن، نقلت عنها شقيقتها تدهور حالتها الصحية، فهي تُمنع من الحركة والحصول على جلسات العلاج الطبيعي لقدميها، ما يهدد بإصابتها بالشلل، إضافة إلى أنها تصاب بين حين وآخر بأزمات في التنفس بسبب تكدس المسجونات في زنزانة ضيقة.
حال إسراء لا تختلف كثيراً عن الآلاف من المرضى داخل السجون في مصر، ممن لا يحصلون على حقهم في علاج أمراضهم وإصاباتهم، أو من أصيبوا بأمراض داخل السجن بسبب التكدس وقلة النظافة. ويشكو السجناء من أن إدارات السجون تقصّر بصورة متعمدة في تقديم الرعاية الصحية للمساجين أو مساعدتهم في استكمال علاجهم، فضلاً عن التعذيب الذي يتعرضون له قبيل التحقيق وبعده، ما أدى إلى وفاة 179 شخصاً داخل السجون وأماكن الاحتجاز بسبب الإهمال الطبي، في المدة ما بين 30 حزيران 2013 حتى الآن، وفق تقرير «الموت في أماكن الاحتجاز» الذي أصدرته منذ أيام «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» (منظمة حقوقية مستقلة).
تتنشر عدوى الجرب بسبب غياب التهوية وتكدس المساجين

وكان آخر من مات في أحد أماكن الاحتجاز هو القيادي الإخواني طارق خليل، ففي يوم الخميس الماضي تلقت أسرة خليل ــ بعد ثلاثة أسابيع من اعتقاله مع القيادي سعد عليوة ــ مكالمة هاتفية تفيد بأن جثته موجودة في مشرحة «زينهم»، وطوال هذه المدة لم تعرف الأسرة مكان احتجاز خليل أو التهم التي اعتُقل على خلفيتها. وسبق خليل إلى الموت بسبب الإهمال الطبي في السجون، القياديان في جماعة «الإخوان المسلمين» فريد إسماعيل ومحمد الفلاحجي، إذ أُصيب الأول بجلطة في المخ داخل سجن العقرب ورفضت إدارة السجن نقله إلى مستشفى متطور الإمكانات لعلاجه، وفي نهاية أيار الماضي توفي الفلاحجي داخل سجن جمصة، وقالت أسرته إن وفاته نتيجة لعدم تلقيه العناية الصحية الكاملة في ظل أنه مصاب بتليف في الكبد وتضخم في الطحال.
وينص دستور 2014 في المادة 55 على ضرورة «حجز من تقيد حريته في أماكن لائقة صحياً وإنسانياً، وتلتزم الدولة توفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة»، ويعتبر الدستور مخالفة ذلك «جريمة تستوجب المعاقبة وفقاً للقانون».  
المزيد من التفاصيل يقدمها مركز «النديم لمناهضة التعذيب» (مركز حقوقي مصري مستقل)، وتحديداً عمن ماتوا نتيجة الإهمال الطبي في السجون، إذ يرصد في تقرير عن أوضاع السجون خلال العام الأول من حكم عبد الفتاح السيسي وفاة 48 متهماً في السجون المختلفة: 17 منهم بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية، و31 في ظروف غامضة. وذكر التقرير أن المساجين يتكدسون داخل أماكن احتجاز بطريقة لا تتلاءم مع قدرتها الاستيعابية، وأن تعمد التقصير في تقديم الخدمات والرعاية الصحية هو السبب في وفاة هذا العدد خلال عام فقط، مؤكداً في الوقت نفسه أن أوضاع السجون البالغ عددها 45 في مصر غير آدمية وبالغة السوء.
مؤسِّسة «النديم»، عايدة سيف الدولة، قالت لـ«الأخبار»، إن «وزارة الصحة ونقابة الأطباء لا يقومان بدورهما في التفتيش الدوري على الأوضاع في السجون، كذلك، الأطباء في السجون يكونون خاضعين لوزارة الداخلية وليس الصحة»، مشيرة إلى أن نتيجة ذلك، الإهمال الكبير لحالات المرضى من المساجين. وفي تقارير سابقة للمركز نفسه، فإنه رصد انتشار بعض الأمراض مثل الجرب داخل بعض السجون وأماكن الاحتجاز، وفي أيلول الماضي انتشرت عدوى الجرب في قسم الهرم بسبب غياب التهوية وتكدس المساجين داخل غرف احتجاز صغيرة، ما دفع «الصحة» في ذلك الوقت إلى تعقيم القسم وتوقيع الكشف الطبي على جميع من فيه ونقلهم إلى المستشفى. وقبل ذلك بشهر واحد، قال أهالي طلاب محبوسين داخل سجن وادي النطرون إن أبناءهم أصيبوا بالجرب داخل السجن، ولكن إدارة السجن رفضت نقلهم إلى المستشفى.
عضو رابطة العاملين في الصحة (حركة ناشطة في قضايا الأطباء) طاهر مختار، قال لـ«الأخبار»، إنه تصلهم طوال الوقت رسائل من أقرباء لمساجين تشتكي غياب الخدمة الطبية عن أبنائهم داخل السجن، بل أحياناً يصل الأمر إلى ساعات من الاستغاثة لطلب سيارة إسعاف أو لنقل أحدهم إلى المستشفى، من دون استجابة من إدارة السجن. وفي بعض الأحيان، تكون الحالة خطرة ويرفض القاضي أو وكيل النيابة نقل المريض إلى مستشفى خارج مستشفى السجن غير المجهز أصلاً لاستقبال الحالات الطارئة أو الخطرة.
وأضاف مختار: «الوضع داخل السجون أصبح مزرياً، فالدولة تعاقب المساجين بحرمان الرعاية الصحية إلى جانب سجنهم، والجهة المنوط بها وقف هذه الانتهاكات هي نقابة الأطباء، وهي مقصرة للغاية ولا تقوم بدورها في المناداة بحق المساجين في الرعاية الصحية المناسبة».