في الوقت الذي يشهد فيه الجنوب السوري التزاماً واضحاً بالهدنة المقرة وفق اتفاق أميركي ــ روسي، تدور التساؤلات حول مصير منطقة البادية المتصلة بالحدود الأردنية، التي يحقق فيها الجيش السوري تقدماً ملموساً ضد فصائل مدعومة من واشنطن بشكل غير رسمي. وبينما يتابع الجيش تحركه نحو الشرق، متقدماً نحو بادية دير الزور على جبهة مشتركة مع تنظيم «داعش»، بقي الجيب الممتد على بادية ريف السويداء وريف دمشق خارج «الهدنة الجنوبية»، وشهد ضغطاً عسكرياً كبيراً من الجيش وحلفائه، قارب حصار الفصائل في محيط منطقة بير القصب.
وفيما ينتظر ما سيخرج حول تفاصيل «اتفاق الجنوب» وخاصة في ضوء التسريبات الأميركية التي تحدثت عن لقاء ثانٍ غير معلن جمع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، بدا لافتاً ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن مصدر رسمي قال إن ترامب قرر إنهاء البرنامج السري لتسليح وتدريب عناصر المعارضة السورية الذي تديره وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). البرنامج وفق ما وصفته الصحيفة كان يُعَدّ «ركيزة أساسية للسياسة التي بدأتها إدارة باراك أوباما في عام 2013 للضغط على (الرئيس بشار) الأسد للتنحي عن الحكم». ورأى مسؤولون أن «إلغاء البرنامج السري يعكس رغبة ترامب فى إيجاد سبل للعمل مع روسيا. كذلك يعد اعترافاً بنفوذ واشنطن المحدود» في سوريا، وفق الصحيفة.

ترامب اتخذ القرار قبل اجتماعه مع بوتين في هامبورغ


وأفادت نقلاً عن مسؤولين أن «ترامب اتخذ قرار إلغاء البرنامج منذ نحو شهر تقريباً خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع مدير المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، وذلك قبل اجتماعه مع بوتين» في هامبورغ على هامش قمة العشرين، مشيرة إلى أن المتحدثين باسم مجلس الأمن الوطني ووكالة المخابرات المركزية، رفضا التعليق.
وتابعت نقلاً عن مسؤولين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن «هذه الخطوة لم تأتِ كشرط لمفاوضات وقف إطلاق النار التي كانت قد بدأت قبلها بالفعل»، فيما اعتبر «بعض المسؤولين الحاليين والسابقين الذين يدعمون البرنامج، أن هذه الخطوة تعد تنازلاً كبيراً». وعلق أحد المسؤولين الحاليين على هذا القرار بأن «بوتين فاز في سوريا». وأوضحت أن «مسؤولين كبار لفتوا إلى أن البرنامج السري سيُنهى على مدى شهور. ومن الممكن أيضاً إعادة توجيه بعض الدعم إلى مهمات أخرى، مثل قتال تنظيم (داعش) أو تمكين الفصائل المعارضة من الدفاع عن نفسها ضد الهجمات». وأضاف هؤلاء أن «القرار حصل على دعم من الأردن، حيث دُرِّب بعض هؤلاء المقاتلين، ويبدو أنه جزء من استراتيجية إدارة ترامب للتركيز على التفاوض حول وقف إطلاق النار المحدود مع الجانب الروسي». ولفتت الصحيفة إلى أن «أحد المخاطر المحتملة لوقف البرنامج هو أن الولايات المتحدة قد تفقد قدرتها على منع دول أخرى، مثل تركيا ودول الخليج، من توجيه أسلحة أكثر تطوراً - بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المحمولة - للفصائل التي تقاتل الأسد، بما في ذلك الجماعات الأكثر تطرفاً». ويعد البرنامج الذي أُعلن رسمياً في عام 2013، واحداً من أهم الأدوات التي استخدمتها إدارة أوباما، للتأثير في الميدان السوري، وعبره في المسار السياسي. وبينما كانت الأردن هي المركز الرئيسي لعمليات التدريب والتسليح لآلاف المقاتلين من «الفصائل المعتدلة»، فإن امتداده وصل إلى معظم المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية. وشهد البرنامج نكسات كبيرة خلال السنوات الماضية، تمثلت في تصفية «جبهة النصرة» لعدد كبير من الفصائل «المفحوصة» أميركياً، قبل أن تلعب أي دور فعال في القتال. غير أن أهم دور لعبه البرنامج تمثل في استقطاب الأموال المقدمة من عدد من دول الخليج واستخدامها لتمويل التدريب ومصاريف السلاح المقدم خلاله. وقد يشير إنهاء ترامب للبرنامج إلى رغبة أميركية بالاستفادة من تلك الفصائل التي احتكرتها وكالة الاستخبارات المركزية طول السنوات الماضية، في عمليات منسقة مع «التحالف الدولي» وبإشراف البنتاغون. وهو يتفق مع ما أشيع عن وجود خطط لنقل جزء كبير من عناصر عدد من الفصائل المعارضة، إلى مناطق متاخمة لوادي الفرات، بغية إطلاق عمليات أميركية في تلك المنطقة.
(الأخبار)