لو قُيِّض لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، العودة إلى الوراء، لما أمكن وزارة الأمن الداخلي تركيب البوابات الإلكترونية على مداخل مسجد الاقصى، التي تحولت لاحقاً إلى عنوان وإمكانية انكسار إسرائيل، وإمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة.الواضح حتى الآن، أن تل أبيب تسلقت شجرة عالية جداً، وتدرك أنها غير قادرة على البقاء عالياً، وتبحث عن سبل النزول عنها، مع أقل الأضرار الممكنة، وإلا فإن الطريق بات معبّداً لأسوأ السيناريوهات.

إلى ذلك، المعركة التي تخوضها إسرائيل وبدأتها عن سوء تقدير لنتائجها، باتت معركة متشعبة: مع الجمهور الفلسطيني وخطورة تحوّلها إلى انتفاضة جديدة؛ الخشية من التأثير السلبي بمكانة إسرائيل لدى «المعتدلين» من الأنظمة العربية، ربطاً بالحرم وموقف الشارع العربي من حصارها له؛ وكذلك المعركة الداخلية الإسرائيلية والمزايدات بين أطرافها، حول صورة القيادة المتشددة والمتطرفة في مواجهة الفلسطينيين، وإمكان «سقوط هيبتها»، في نظر أنصارها من اليمين المتطرف.
إذاً القيادة الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، في مأزق: التراجع عن البوابات الإلكترونية التي باتت عنوان المواجهة مع الفلسطينيين، يعد تراجعاً سيئاً جداً، في مقابل التعنت وإبقاء الوضع على حاله والتسبب بمزيد من التصعيد. وعلى هذه الخلفية، جاءت «محاولات» الداخل والخارج، لإنقاذ إسرائيل وقيادتها من المأزق.
وفي هذا السياق، أشارت مصادر إسرائيلية رفيعة لصحيفة «هآرتس» إلى أنّ الإدارة الأميركية تجري اتصالات حثيثة مع إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، وكذلك جهات في العالم العربي، ومن بينها السعودية، للتوصل إلى «حل» ينهي أزمة الأقصى ويمنع التصعيد. مع ذلك، لفت مصدر مطلع للصحيفة إلى أنّ الاتصالات الأميركية مع الجانب الإسرائيلي، تشير إلى أنّ مسؤولي البيت الأبيض لم يطالبوا نتنياهو بإزالة البوابات الإلكترونية على مداخل الحرم، بل ناقشوا معه ضرورة اعتماد ترتيبات أمنية، يمكن أن يكون تطبيقها أنجح من البوابات... إلا أن هذه الدعوة، غير المباشرة، هي دعوة إلى التراجع عن البوابات والبحث عن خيارات بديلة.
تجاه الدول العربية المعتدلة، ورد من إسرائيل «إشارات رضا». نعم، تسجّل تل أبيب مواقف شاجبة رسمية صدرت عن بعض العواصم العربية، التي توصفها بـ«المعتدلة»، لكنها تتفهم هذه المواقف، وتتفهم كذلك مساعي هذه الدول، لإيجاد حل يخرج إسرائيل من مأزقها.
صحيفة «هآرتس» أشارت إلى أنّ أحداث الحرم احتلت العناوين الرئيسية في غالبية الدول العربية، لكن كما تنوه الصحيفة، لم تظهر حتى اليوم تظاهرات ضد إسرائيل في شوارع القاهرة، أو في عمان أو في المغرب... لافتة إلى أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي دعا إسرائيل إلى العمل فوراً من أجل استعادة الهدوء في الحرم، جاء تصريحه «ناعماً جداً» مقارنة بتصريحات له في أيلول عام 2015، حين اتهم إسرائيل، بتدنيس صارخ لقدسية المكان. وكشفت الصحيفة أيضاً، أن وزير الأوقاف المصري مختار جمعة، حثّ الخطباء في المساجد المصرية على تجنب الحديث عن المسجد الأقصى، والحديث فقط عن ضرورة التعامل جيداً مع السياح الأجانب، الذين يزورون مصر.
أما لجهة السعودية، التي حثّ ملكها الإدارة الأميركية على الضغط على إسرائيل لفتح باحات المسجد الأقصى للصلاة، فقد امتنعت هي الأخرى عن إصدار المواقف، وليس فقط من قبل المسؤولين السعوديين، بل لم يكن بالإمكان العثور على خبر في الإعلام السعودي، يفصل فيه أحداث المسجد الاقصى. بحسب صحيفة «هآرتس»، كان لافتاً أن يجري التداول في السعودية باتصال من أحد المتابعين لبرنامج «الرأي الحر» في قناة «الحوار» التي تبث من لندن، قال فيه: «أنا أعارض انتصار الأقصى، لأن انتصار الأقصى هو انتصار لحماس وقطر».
تشير «هآرتس» إلى أن إسرائيل في اليومين الماضيين، تبادلت رسائل مع السعودية، وكذلك أجرت مشاورات مع الملك الأردني عبد الله الثاني، ومع الرئيس المصري. هدف الرسائل والمشاورات، هو إيجاد مخرج للمأزق القائم، من خلال حل يحقق لإسرائيل هدفين: تأمين الحرم دون ضياع «هيبة» إسرائيل، إذا ما قررت إزالة البوابات الإلكترونية. الأطراف تداولت بحلول إبداعية في ما بينها، لكن كل هذه الحلول لم تُرضِ إسرائيل، التي تريد حلاً يؤكد السيادة الكاملة على مداخل الحرم.
وأمس، دعا نتنياهو أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، للبحث من جديد في إمكان الإبقاء على البوابات الإلكترونية، أو الاستمرار في تنصيبها على مداخل الحرم القدسي. ومما رشح عن «تسريبات»، فإن المجلس الوزاري المصغر سيناقش «سلة حلول» بديلة، جرى تداولها مع أطراف داخلية وخارجية، وكذلك اقتراحات لاستخبارات الجيش الإسرائيلي والشاباك، وحتى كتابة هذه السطور، لم يرشح عن الجلسة أي قرار.
مع ذلك، تطرّق نتنياهو صباح أمس، إلى التصعيد في الحرم في جلسة خاصة لوزراء الليكود، مشيراً إلى أنه «منذ بداية الأحداث، أجريت سلسلة من الاجتماعات وتقديرات للوضع مع كل الجهات الأمنية، بما في ذلك جهات ميدانية. نحن نتلقى التقارير فوراً والتوصيات ونعمل بما هو مناسب لذلك». وأضاف: «نحن نعالج هذا الوضع برباطة جأش وتصميم ومسؤولية، وهكذا سنواصل العمل من أجل المحافظة على الأمن». موقف لا يستشف منه اتجاهات الأمور مسبقاً، مبقياً الاحتمالات مفتوحة بلا استثناء، رغم أن التقدير يشير إلى إمكان تراجعه في نهاية المطاف.
إلى ذلك، أشارت وسائل الإعلام العبرية إلى أن قرار القيادة السياسية في تنصيب البوابات الإلكترونية على مداخل الحرم، جاء بناءً لتوصية الشرطة الإسرائيلية، ومن دون الرجوع إلى بقية الأجهزة الأمنية، وتحديداً الجيش الإسرائيلي والشاباك. وتكشف «هآرتس» أنّ جلسة «المجلس المصغر» يوم الخميس الماضي، كانت «مشحونة جداً»، مشيرة إلى أن رئيس أركان الجيش، غادي ايزنكوت، حذّر الوزراء من التسبب باندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، وذكّر نتنياهو والوزراء بأن زيارة رئيس الحكومة السابق، أرييل شارون، للحرم في أيلول 2000، كانت الشرارة التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الثانية. وشدد الجيش والشاباك والاستخبارات العسكرية، على توقعاتها المتشائمة و«إذا لم يوجد حل للقضية، فنحن نتوقع تصعيداً شديداً جداً». مع ذلك، تؤكد المصادر الإسرائيلية أن غالبية الوزراء الذين دعموا موقف الشرطة والإبقاء على البوابات الإلكترونية، كانوا محكومين بخلفية واحدة: «الخوف من أن تظهر إسرائيل كأنها استسلمت أمام الضغط الفلسطيني، وأزالت البوابات».
وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، أن نتنياهو رفض «نصائح» قادة الجيش والشاباك خلال مشاورات أجراها معهم، طالبوه فيها بضرورة إزالة البوابات الإلكترونية، مشيرة إلى أنه لم يرغب في منح «هدية سياسية» لمنافسه في أوساط اليمين، الوزير نفتالي بينت، وتمكينه من اتهامه بأنه رضخ لضغوط الفلسطينيين. وبحسب الصحيفة «الخوف من الناخبين في اليمين، أخلى مكاناً للخوف من انتفاضة ثالثة»، مع ذلك تقدر الصحيفة أن الجميع سيستعيدون عقلهم بعد التصعيد و«ستُزال البوابات الإلكترونية، وسيُفتَح الحرم، بل إن بينت نفسه سيدعم رئيس الحكومة. لم يبقَ أمام الحكومة الآن إلا الدعاء، وأن تترقب الهدوء».