القاهرة ــ الأخباربدا الأمر تكريماً متأخراً لقائد عسكري، دفعته ثورة «الضباط الأحرار» قبل خمسة وستين عاماً، إلى منصب أول رئيس للجمهورية في مصر، قبل أن تزجّه صراعات الحكم، بعد سنتين، في إقامة جبرية مذلّة، مدى الحياة، داخل إحدى الفيلّات الملكية المصادرة في حي المرج القاهري.

ولكن بعيداً عن التكريم المتأخر لمحمد نجيب، الذي يرى كثيرون أنه ظُلم في حياته كما بعد مماته، وبصرف النظر عن التوصيف، الذي يراه البعض مبالغاً فيه، بشأن «أكبر قاعدة عسكرية» في الشرق الأوسط وأفريقيا، فإنّ المنشأة العسكرية الضخمة، التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول من أمس، تُمثّل، من دون أدنى شك، خطوة جديدة في تعزيز القدرات العسكرية المصرية، في منطقة تتسم بمخاطر أمنية، تزداد يوماً بعد يوم، سواء أتعلق الأمر بالحدود الغربية لمصر، الممتدة عبر خط وهمي في صحراء مفتوحة، أم بالأوضاع المضطربة في ليبيا المجاورة، التي باتت ميداناً جديداً للصراعات الإقليمية.
وتُعدُّ «قاعدة محمد نجيب» إحدى منشأتين عسكريتين ضخمتين، أقامهما الجيش المصري في منطقتين متجاورتين في غرب البلاد، وفق المتحدث العسكري، الذي وصفها بأنها «إنجاز جديد يضاف إلى إنجازات القوات المسلحة كماً ونوعاً»، مشيراً إلى أنّ «إنشاءها جاء في إطار استراتيجية التطوير والتحديث الشامل للقوات المسلحة ولتحل خلفاً للمدينة العسكرية في منطقة الحمام، التي أُنشئت في عام 1993، مع دعمها بوحدات إدارية وفنية جديدة، وإعادة تمركز عدد من الوحدات التابعة للمنطقة الشمالية العسكرية في داخلها، بما يعزز من قدرتها على تأمين المناطق الحيوية بنطاق مسؤوليتها غرب مدينة الإسكندرية ومنطقة الساحل الشمالي، ومن بينها محطة الضبعة النووية، وحقول النفط، وميناء مرسى الحمراء، ومدينة العلمين الجديدة وغيرها».

السيسي: لا يمكن التسامح مع من يموّل الإرهاب بالمليارات

وتشمل «قاعدة محمد نجيب»، وفق البيانات، 1155 مبنى ومنشأة، وأربع بوابات رئيسية، و8 بوابات داخلية للوحدات، وتشتمل على إعادة تمركز فوج يضم نحو 451 عربة حديثة لنقل الدبابات الثقيلة، و72 ميداناً للتدريب التخصصي والرماية بالأسلحة الصغيرة، وعلى مجمع لميادين الرماية التكتيكية الإلكترونية. كذلك تضم القاعدة العسكرية قرية رياضية ومخازن للأسلحة والمعدات والاحتياجات الإدارية والفنية لعناصر الدعم من القوات الجوية والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، فضلاً عن أنظمة حديثة للقيادة والسيطرة والتعاون بين الأفرع والأسلحة المختلفة.
المتحدث العسكري المصري، وضع افتتاح القاعدة العسكرية في سياق «ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من مخاطر وتهديدات مباشرة للأمن القومي المصري، خاصة من الاتجاه الاستراتيجي الغربي»، مشدداً على «حرص القوات المسلحة على تعزيز القدرات القتالية للمنطقة الغربية العسكرية لمنع تسرب العناصر الإرهابيين المسلحين عبر خط الحدود الغربية، ومجابهة محاولات التهريب للأسلحة والمواد المخدرة والهجرة غير الشرعية، وفق منظومة متكاملة تُكثَّف خلالها إجراءات التأمين وتطوير نظم التسليح وإعادة تمركز بعض الوحدات المقاتلة».
من المؤكد أن اهتمام القيادة السياسية والعسكرية في مصر بالمنطقة الغربية، له ما يبرره، فالحدود المفتوحة بين ليبيا ومصر، تحوّلت منذ سقوط العقيد معمر القذافي، إلى صداع أمني، بعدما تحوّلت إلى ممر لتهريب الأسلحة والإرهابيين، إلى الداخل المصري، وهو ما أكده السيسي، بعد العملية الإرهابية التي استهدفت قافلة للأقباط في محافظة المنيا، في السابع والعشرين من أيار الماضي، حين تحدّث عن تدمير أكثر من ألف سيارة دفع رباعي، يستقلها إرهابيون، عند الحدود الغربية، من بينها 300 سيارة خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
لكنّ ثمة جانباً لا يقلّ أهمية عن حماية الأمن القومي الداخلي لمصر من المخاطر القادمة من البوابة الغربية، عكسها، ولو من الناحية الشكلية، حضور لافت لكل من ولي عهد أبو ظبي محمد ابن زايد، واللواء الليبي خليفة حفتر، في حفل افتتاح «قاعدة محمد نجيب».
انطلاقاً من ذلك، فإن المتوقع أن يكون للقاعدة العسكرية المصرية الجديدة دور بارز في العمليات العسكرية في ليبيا على صعيد توفير التدريب والخطط العسكرية واللوجستية لقوات حفتر، مع العلم بأن الملف الليبي تحوّل منذ فترة إلى عنوان للتحالف الإماراتي ــ المصري (لا بل يعد المحفّز الأساس للدعم الكبير الذي توفره أبو ظبي للقاهرة)، ونقطة اشتباك إقليمية أساسية، بين المحور الإماراتي ــ السعودي ــ المصري، وبين دولة قطر، وخصوصاً في ظل الأزمة الخليجية القائمة، التي فرضت نفسها في الخطاب الذي ألقاه السيسي في حفل الافتتاح.
وتناول السيسي الإمارة الخليجية، تلميحاً، حين قال إن «من يتحدثون عن الأخوة يدعمون الإرهاب». وأضاف أنّ «الإرهاب ظاهرة معقدة، لها جوانب متعددة، ولعل من أهمها، وقد طال الصبر عليه، دور الدول والجهات التي تقوم برعاية الإرهاب وتمويله، فلا يُمكن تصور إمكانية القضاء على الإرهاب من خلال مواجهته ميدانياً فقط، والتغافل عن شبكة تمويله مادياً، ودعمه لوجستياً، والترويج له فكرياً وإعلامياً».
وفي تلميح أكثر وضوحاً إلى قطر، قال السيسي: «لا يمكن التسامح مع من يموّل الإرهاب بمليارات الدولارات، فيسبّب مقتل مواطنينا، بينما يتشدق في ذات الوقت بحقوق الأخوة والجيرة. ولهؤلاء نقول: إن دماء الأبرياء غالية، وما تفعلونه لن يمرّ دون حساب».
وفي ظل المناخ الملتهب بالصراعات السياسية والعسكرية الحادة، فإنّ افتتاح القاعدة العسكرية المصرية على مقربة من إحدى نقاط الاشتباك الإقليمية، يمثل قفزة جديدة، تتجاوز بالتأكيد النطاق الأمني الداخلي. ولم تتأخر وسائل الإعلام المصرية في نقل معلومات، عن مصادر متعددة، مفادها أن القاعدة العسكرية الجديدة ستكون مقراً إقليميا لتدريب أفراد الجيوش الوطنية في العديد من الدول العربية، أو حتى استضافة مناورات «النجم الساطع» في أيلول المقبل، التي انطلقت في عام 1980، ولكنها توقفت منذ ثماني سنوات، بسبب الأوضاع المضطربة في مصر.
علاوة على ذلك، إنّ افتتاح «قاعدة محمد نجيب»، نشّط الذاكرة القريبة لبعض المراقبين، لاستعادة ما نقلته وكالة «رويترز» في آذار الماضي، عن مصادر أميركية ومصرية، لناحية نشر قوات خاصة روسية على الحدود المصرية ــ الليبية، في إطار جهود سرّية لدعم اللواء خليفة حفتر.
وبالرغم من النفي الرسمي من جانب القاهرة وموسكو، على حد سواء، لهذه المعلومات، إلا أن كل التسريبات والتحرّكات، التي تدور حول ليبيا، تشي بأن المنطقة الغربية في مصر قد تحوّلت بالفعل إلى مركز ثقل، في الصراعات الدولية، التي لن يتأخر انتقالها، عاجلاً أو آجلاً من المشرق العربي إلى شمال أفريقيا، انطلاقاً من البوابة الليبية، ما يجعل «قاعدة محمد نجيب» مرشحة لأن تكون نقطة لتموضعات عسكرية جديدة.