تتجه الأنظار اليوم إلى العاصمة البحرينية المنامة، حيث تعقد دول مقاطعة قطر اجتماعها الثاني منذ بدء الأزمة في 5 حزيران الجاري. وفيما لا يُتوقع أن تصدر عن الاجتماع قرارات بخطوات تصعيدية إضافية، بحسب ما أوحى به بيان وزارة الخارجية المصرية، تبدو خطوات الدوحة التي نجحت في مغادرة دائرة الدفاع، أسرع من خطوات العواصم المقاطِعة لها، إذ تظهر الأخيرة كأنها باتت عاجزة عن استكمال المسار الهجومي الذي أطلقته، باستثناء إصدار قوائم سوداء جديدة من حين إلى آخر.
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، أمس، أن وزراء خارجية رباعي المقاطعة سيعقدون اجتماعاً على مدار يومين في المنامة، بهدف «تقييم مستجدات الوضع، ومدى التزام الدوحة بالتوقف عن دعم الإرهاب والتدخل السلبي في الشؤون الداخلية للدول الأربع». وأشارت الوزارة، في بيان، إلى أن «الاجتماع يعكس اهتمام الدول الأربع بتنسيق مواقفها والتأكيد على مطالبها من قطر». ويأتي اجتماع المنامة ترجمة لما كانت أعلنته الدول الأربع، عقب اجتماع لوزراء خارجيتها في القاهرة، في 5 تموز الجاري، من اعتزامها عقد اجتماعها التشاوري اللاحق في البحرين نهاية الشهر الحالي. وكان اجتماع القاهرة قد أعاد التشديد على المطالب الموجهة إلى الدوحة، مقفلاً باب التفاوض معها، من دون أن يتبنى إجراءات واضحة ضدها.
واستبقت قطر اجتماع الدوحة بتجديد رفضها «مصادرة قراراتنا السياسية الخارجية حتى لا تعود تُصنع في قطر». وكرر مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري، سيف بن أحمد آل ثاني، استعداد بلاده للدخول في مفاوضات «حول جميع الأمور بشكل صريح»، إلا أنّه اشترط لذلك «رفع الحصار غير الشرعي كخطوة أولى». وأشار إلى أنّ «قائمة الإرهاب» الأخيرة التي أصدرها رباعي المقاطعة «من بين الأمور التي لا تزال تعرقل حل الأزمة»، معيداً نفي الاتهامات الموجهة إلى قطر بـ«دعم المجموعات الإرهابية»، قائلاً: «نحن لا ندعم الإرهاب بأي طريقة على الإطلاق، هذا الاتهام باطل، بل نقوم بعكس ذلك تماماً وفعلياً، نقوم بأكثر مما يقومون به هم في مجال محاربة الإرهاب». وأكد أن «قطر تملك دعم الولايات المتحدة»، معترفاً، في الوقت نفسه، بأنه «في بداية الأزمة... كان من الممكن تفسير بعض الرسائل» الموجّهة من واشنطن على أنها بمثابة دعم للرياض.
وفي وقت تواصل فيه الدوحة حملتها المضادة للاتهامات والمطالب الموجهة إليها، فهي تعمل، على خط موازٍ، على نقل ما تسميه «مظلوميتها» إلى الأمم المتحدة، سعياً إلى تشكيل رأي عام ضاغط على دول المقاطعة، بعدما اقتصر دور المنظمة الدولية، إلى الآن، على الدعوة إلى حل الأزمة بالحوار. وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أول من أمس، عقب مباحثات مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن «قطر لن تألو جهداً للتغلب على تلك الانتهاكات، ومحاولة حلها من خلال القنوات السليمة»، مضيفاً أن «الأمم المتحدة هي المنبر المناسب للبدء منه». وسرعان ما استفزّت تصريحات آل ثاني الجانب الإماراتي، الذي ردّ على الطرح القطري بأن «للأمم المتحدة دوراً مهماً لتلعبه في مكافحة الإرهاب»، وأن «الدول المقاطعة ستطلع غوتيريش ومجلس الأمن الدولي على التطورات أولاً بأول». جاء ذلك على لسان سفيرة الإمارات في الأمم المتحدة، لانا نسيبة، التي وصفت الإجراءات المتخذة بحق قطر بأنها «قانونية تماماً ومبررة ومتناسبة».
صورة تسعى قطر جاهدة إلى دحضها عن طريق التعاقد مع جماعات ضغط إضافية داخل الولايات المتحدة أيضاً. هذا ما أكدته مجلة «بوليتيكو» الأميركية، في تقرير نُشر الخميس، كشفت فيه أن الدوحة تعاقدت مع شركةAvenue Strategies Global، المرتبطة بشخصيات نشطت خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أجل الحصول على «مشورتها في ما يتعلق بمسائل الدبلوماسية العامة والاتصالات الاستراتيجية وخدمات العلاقات الحكومية». وأوضحت أن نشاط الشركة «قد يشمل القيام باتصالات مع أعضاء في الكونغرس وموظفين فيه، ومسؤولين حكوميين، ووسائل إعلام، ومع الأفراد والمنظمات الأخرى المشاركة في قضايا حكومية وعامة».
عقودٌ تحاول من خلالها الدوحة ردم الهوة في المواقف الأميركية من الأزمة الخليجية، وتحويل الدعوات المتكررة للتحاور والحل إلى كلمة أكثر وضوحاً في دعم الطرف القطري، إلا أن ذلك يتطلب، على ما يبدو، وقتاً طويلاً، وفق ما أنبأ به التصريح الأخير للخارجية الأميركية. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، هيذر ناورت، مساء الخميس، إن «الأزمة كانت في طريق مسدود، ثم حدثت بعض التحركات، لكنها عادت لتصل إلى طريق مسدود، وهذا بالطبع يقلقنا»، معتبرة أن جلوس أطراف الأزمة معاً «قد يأخذ بعض الوقت، لكننا نأمل أن يتمكنوا في النهاية من القيام بذلك». وجددت استعداد واشنطن «للمساعدة بأي وسيلة كانت، لكن الحل النهائي يجب أن يناسب جميع الأطراف».
(الأخبار)