في وقت كانت تتجه فيه أول قافلة حجاج إيرانيين إلى بلاد الحرمين، منذ أزمة موسم 2015 على إثر فاجعة مِنى، كانت، وللمفارقة، تطل أمس بوادر أزمة جديدة في ملف إدارة المناسك الإسلامية، لكن هذه المرة بين السعودية وجارتها في الخليج: قطر.أزمة، فيما لو تطورت، تشكّل إدانة جديدة لملف إدارة السعودية لفريضة الحج، وهو ما ترفض الرياض المساس به، أو حتى التفاوض عليه مع باقي الدول الإسلامية على الرغم من كل الثغرات المتراكمة في هذا الجانب، حد اعتبار وزير خارجيتها عادل الجبير أمس، أن طلب الدوحة «تدويل المشاعر المقدسة» بمثابة «إعلان حرب» وأن الرياض تحتفظ بـ«حق الرد»!

تصريح الجبير الناري أتى رداً على بيان لـ«اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» التابعة للحكومة القطرية، قال إن اللجنة بصدد تقديم شكوى إلى منظمة «اليونسكو» إلى جانب «خطوات واسعة في إطار تدويل منع مواطني ومقيمي دولة قطر من أداء مناسك الحج في كافة المحافل الدولية المختصة». وأشار البيان إلى أن اللجنة خاطبت المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة، مبدية قلقها الشديد إزاء «تسييس الشعائر الدينية واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية».
وأوضحت اللجنة في خطاب لها رفعته إلى الأمم المتحدة أن السعودية سمحت «للقطريين بالدخول إلى أراضيها عبر منفذين جويين فقط، حيث يتعيّن على المواطنين القطريين المقيمين خارج قطر العودة إلى الدوحة، ومن ثم الدخول الى الأراضي السعودية لأداء الشعائر الدينية»، معتبرة أن «هذه الانتهاكات تضاف إلى سلسلة من الانتهاكات التي تعرضت لها حملات العمرة القطرية خلال شهر رمضان الماضي».

الجبير: طلب الدوحة تدويل المشاعر المقدسة بمثابة
إعلان حرب

الاتهامات القطرية للرياض بـ«تسييس الحج»، استخدمها أيضاً عادل الجبير في الرد على الدوحة، رافضاً «ما تقوم به قطر بمحاولة تسييس هذا الأمر، ونعتبره لا يحترم الحج ولا الحجاج»، ومؤكداً أن حكومته ترحب بالحجاج القطريين. وحذر من أن «المملكة تعتبر أن أي طلب لتدويل الأماكن المقدسة بمثابة عمل عدواني، ونعتبره إعلان حرب ونحتفظ بحق الرد على أي طرف يعمل في هذا المجال».
ردّ الجبير على بيان اللجنة الحقوقية القطرية، رد عليه، من جهته، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نافياً صدور «أي تصريح عن أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج». وقال إنه «لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية»، مضيفاً أن «قطر لم تسيّس الحج، بينما تم تسييسه للأسف من قبل السعودية».
ومساء أمس، أصدرت وزارة الأوقاف القطرية بياناً اتهمت فيه سلطات الحج في السعودية بأنها تمتنع عن التواصل معها لتأمين سلامة الحجاج القطريين. ونفت إغلاقها باب التسجيل للحج أمام القطريين. وقالت إن «الأخبار الكاذبة التي دأبت وسائل الإعلام السعودية على اختلاقها مؤخراً في إطار الحملة على دولة قطر، تشويه للحقائق لتضع العراقيل أمام حجاج بيت الله الحرام من دولة قطر إثر الأزمة التي اختلقتها دول الحصار».
وأشارت وزارة الأوقاف إلى أن وزارة الحج والعمرة في السعودية امتنعت عن التواصل معها «لتأمين سلامة الحجاج وتسهيل قيامهم بأداء الفريضة، بحجة أن هذا الأمر في يد السلطات العليا في الرياض، متنصلة من تقديم أي ضمانات لسلامة» الحجاج القطريين.
ما بات شبه مؤكد حتى الآن، أن القطريين، وعدداً كبيراً من المقيمين لن يتمكنوا من أداء فريضة الحج لهذا الموسم، وخصوصاً أن حملات الحج والعمرة في قطر سبق أن أعلنت اعتذارها عن عدم تسيير حملات الحج هذا العام تفادياً لـ«مضايقات قد يتعرض لها القطريون في الأراضي المقدسة»، في وقت تطالب فيه الدوحة على لسان مسؤوليها ووسائل إعلامها بالحصول على ضمانات سعودية لسلامة الحجاج القطريين، في ظل احتدام الشحن السياسي والخلافات بين قطر ودول المقاطعة.
إلا أن عدم إجابة الرياض حتى عن استفسارات من هذا النوع تطلب ضمانات بشأن سلامة الحجاج، يدل على البعد السياسي للأزمة، وانعكاس الخلاف الخليجي على ملف الحج «النفط الأبيض» للمملكة. وكأن الوجبة الجديدة من العقوبات التي جرى التلويح بها من قبل الدول الأربع المقاطعة للدوحة (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، ولم تقر أمس في اجتماع المنامة الذي كرر التمسك بالمطالب الـ 13، تشمل بنداً غير معلن هو عدم استقبال الحجاج القطريين.
وتفسر هذه النيات السعودية أموراً ثلاثة: رفض التواصل بين السلطات المعنية بشأن تقديم ضمانات السلامة، وعدم فتح المعابر البرية أمام المعتمرين والحجاج القطريين، وقبول الرياض بالتفاوض مع طهران بشأن تأمين الحجاج الإيرانيين ومن ثم التوصل إلى اتفاق على عكس ما يحدث مع قطر.
في سياق متصل، قال مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، إن «أمن الحجاج وحفظ كرامتهم» هما «مسؤولية الدولة التي ترعى شؤون الحرمين الشريفين، وهي قضية مهمة جداً بالنسبة إلينا، فنحن لن ننسى ما حدث في منى قبل عامين، ونطالب بحفظ أمن وكرامة الحجاج كي لا تتكرر حوادث مأسوية مشابهة. ونطالب بقية الدول الإسلامية بوضع أمن الحجاج على رأس أولوياتهم».
ودعا، في حديث إلى حجاج إيرانيين أمس، إلى تجنب أي «سلوك في الحج من شأنه إثارة الخلافات بين المسلمين». كلام خامنئي تزامن مع انطلاق الدفعة الأولى من الحجاج الإيرانيين الذين يقدر وصولهم إلى أكثر من 80 ألف حاج هذا العام، وذلك للمرة الأولى بعد مقاطعة طهران للحج العام الماضي عقب فاجعة منى التي راح ضحيتها مئات الإيرانيين.
(الأخبار)