تُنسج تفاصيل الاتفاق الأميركي ــ الروسي في سوريا بعيداً عن الإعلام والتصريحات الرسمية. جولات متعددة من الكباش الدبلوماسي والتراشق السياسي لم تمنع كشف مسار مستقلّ تخوضه العاصمتين بعيداً عن طاولة النقاش في «أستانا» أو أروقة الأمم المتحدة.في 8 تموز، على هامش قمة مجموعة العشرين، وفي أول لقاء يجمع الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين أُعلِنَت «منطقة تخفيف التصعيد» في الجنوب السوري.

هذا الاتفاق الذي حيك في هامبورغ بعد محادثات طويلة استضافتها العاصمة الأردنية عمان، ظهر بعده أيضاً توتر غير مسبوق بين البلدين إثر عقوبات جديدة أقرّها مجلس النواب الأميركي على روسيا، فيما ردت الأخيرة بقرار ترحيل مئات الدبلوماسيين الأميركيين. هذه العقوبات التي لا تحوز موافقة البيت الأبيض، لم تمنع استكمال المسار الثنائي مع موسكو في سوريا، إذ ما زال ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون يعارضان تشريعات العقوبات التي وافق عليها الكونغرس، وفقاً لما ذكره «ديبلوماسي كبير» أمس لمجلة Washington examiner. وفي هذا السياق، قال تيلرسون خلال مؤتمر صحافي عقده في وزارة الخارجية أمس، إنه «غير سعيد، لا هو ولا الرئيس ترامب، بقيام الكونغرس بتطبيق تلك العقوبات وبالطريقة التي اتبعها للقيام بذلك»، مضيفاً: «كنا واضحين أننا لا نعتقد أن (قرار الكونغرس) سيكون مفيداً لجهودنا، ولكن هذا هو القرار الذي اتخذوه».

عروض من الجيش السوري لعناصر «مغاوير الثورة» لتسليم أنفسهم

جديد هذا المسار اليوم، حسب معلومات «الأخبار»، بوادر اتفاق «ضخم» بين الطرفين، يقضي بانسحاب القوات الأميركية من قاعدة التنف على الحدود العراقية وتسليمها لقوات روسية. هذا «الاتفاق» تمظهر بما تسرّب أمس عن انشقاق عناصر من «مغاوير الثورة» العاملين مع الأميركيين. وعلمت «الأخبار» أنّ هؤلاء علموا بما يُحاك لمناطق «نفوذهم» وشعروا بالغبن في ظلّ المعلومات المؤكدة عن اقتراب موعد عملية كبرى للجيش السوري تهدف إلى تحرير المنطقة الحدودية شمال محافظة السويداء.
ويعاني «مسلحو واشنطن» في جيب التنف من عجز كبير جرّاء نجاح الجيش السوري وحلفائه بإقفال الطريق شمال التنف والوصول إلى الحدود مع العراق. هذا التحوّل أفضى إلى «أسر» المجموعات المتعاونة مع واشنطن في جيب «لا أفق عسكرياً» للخروج منه، بالإضافة إلى فشل واشنطن في الإبقاء على «مساحة أمان» واسعة لهم في ظلّ تحكّم الجيش السوري في الممرات والحركة على مسافة صغيرة ـ في المعنى العسكري ـ عن منطقة تمركزهم. كذلك، كان الهدف المأمول لقيادة هذه القوات هو مواصلة «الزحف» على طول الحدود، وصولاً إلى مدينة البوكمال في محافظة دير الزور، وهذا ما أفشلته القيادة السورية. «مسلحو واشنطن»، أيضاً، أظهروا فشلاً ذريعاً في تحقيق أي إنجاز من دون دعم جوي أو من قوات خاصة ترافقهم، فهم انهاروا، مثلاً، يوم إنزال البوكمال قبل أشهر، إذ لم يصمدوا سوى ساعاتٍ أمام مسلحي «داعش»، حيث كان من المخطط حينها تثبيت الوجود الأميركي على طول الحدود من التنف إلى المدينة الحدودية في دير الزور.
وعلمت «الأخبار» أنّ «عروضاً» من الجيش السوري جاءت لهؤلاء لتسليم أنفسهم في الأيام الماضية، وطلب الجانب الأميركي من «الطالبين فك الارتباط» الذين «شعروا بالخديعة» تسليم سلاحهم ومعداتهم قبل الرحيل، لكن انشقت مجموعتان بكامل عتادهما الأميركي، الأولى قبل أيام والثانية يوم أمس الثلاثاء.
يأتي ذلك، بالتزامن مع كشف «التحالف الدولي» عن خلافات مع فصيل «لواء شهداء القريتين» العامل في البادية، حول طبيعة المهمات التي يقوم بها الأخير ورفضه التزام محاربة «داعش» فقط. إذ نقلت مواقع معارضة أن عدداً من مقاتلي «مغاوير الثورة» رفضوا «طلب الانتقال» نحو بلدة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، للمشاركة في عمليات باتجاه وادي الفرات.
وكان المتحدث باسم «التحالف» راين ديلون، قد أوضح الخميس الماضي، أن «التحالف» لن يدعم عمليات «شهداء القريتين» مجدداً، مضيفاً أنه سيحاول استعادة المعدات العسكرية التي سُلِّمَت للمجموعة.
وبالعودة إلى الاتفاق، أشارت مصادر «الأخبار» إلى أنّ موعد الانسحاب الأميركي غير محدد بعد، وهو قيد التنسيق المستمر «في القناة الخاصة» بين واشنطن وموسكو. هذه «القناة» «تقوى شوكتها» في الغرف المغلقة، خصوصاً بعد قرار ترامب إنهاء البرنامج السري لتسليح وتدريب عناصر المعارضة الذي تديره وكالة الاستخبارات المركزية. صحيفة «واشنطن بوست» أفادت، حينها، نقلاً عن مسؤولين حاليين وسابقين بأن «هذه الخطوة تعدّ تنازلاً كبيراً». وأضافت أن «مسؤولين كباراً قالوا إن القرار حصل على دعم من الأردن، وهو جزء من استراتيجية إدارة ترامب للتركيز على التفاوض حول وقف إطلاق النار المحدود مع الجانب الروسي».