غزة | ظهرت فكرة إنشاء حراكين شبابيين رافضين للحصار المفروض على غزة بموافقة/برعاية من وزارة الداخلية في غزة، التابعة لحركة «حماس»، بالتزامن مع جملة قرارات اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق قطاع غزة، من قبيل الحسم من رواتب موظفي السلطة وقطع مخصصات ذوي شهداء وجرحى، وكذلك مع تفاقم أزمة الكهرباء للأسباب نفسها، وهو ما عمّق الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2006.
صحيح أن الحراكين، اللذين يضمان شباباً من الفصائل الفلسطينية كافة، نفّذا فعاليات عدة داخل مدينة غزة، لكن 12 فعالية رسمية «جرت في المناطق الشرقية لجباليا وغزة والمنطقة الوسطى وخانيونس... جاءت لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، كما صرح بذلك المتحدث باسم أحد الحراكين، «الحراك الوطني»، أدهم أبو سلمية، القريب من «حماس» نفسها.
وأُطلق على تلك المسيرات، التي ينطلق فيها الشباب إلى الحدود في مواجهات أبعد ما تكون عن مواجهات الانتفاضة الأولى أو بدايات الثانية، اسم «نفير نذير الغضب»، وهي مستمرة أيام الجمعة تحديداً، منذ نحو شهرين، وأدت حتى الآن إلى سقوط شهيدين ونحو خمسين إصابة، وُصفت معظمها بالمتوسطة، وفقاً لإحصائية رسمية في غزة.

المواجهات تختلف كلياً عن الاحتكاك المباشر في الضفة والقدس

هذا المشهد دفع إلى تساؤلات كثيرة عن الجدوى من تظاهرات حدودية تجلب اهتماماً إعلامياً محدوداً لأنها دورية، وتتحول إلى «لعبة صيد» يمارسها الجنود الإسرائيليون بحق شباب عزّل لا تكاد تصل حجارتهم إلى الجنود، فيما لا تزيد أعدادهم على عشرات لا يشكلون ضغطاً حقيقياً مثلما كانت المسيرات التي تحوي المئات أو الآلاف في مناسبات سابقة كإحياء ذكرى العودة. كذلك فإن هدفها العام أكبر من مجرد تضامن مع أحداث مثل إضراب الأسرى أو الهبة الشعبية في القدس لا تزيد مدتها على شهرين، خاصة أن المطلب هو «كسر الحصار» الذي طال عمره عن عشر سنوات.
وترى قيادات في بعض الفصائل أن «توجيه الجماهير صوب الحدود للتعبير عن رفض الحصار لا بد أن يراعي جغرافية المكان واتخاذ ما من شأنه تجنب وقوع إصابات أو شهداء، ولا سيما أن المناطق الحدودية بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948 مناطق مفتوحة»، رغم أن عدداً من هؤلاء القياديين لم يعلنوا رفضهم أساليب المقاومة الشعبية والاشتباك مع الاحتلال، على اعتبار أنها تبقى مواجهة طويلة الأمد وتعزز مبدأ «وحدة الأرض والمصير».
في المقابل، رأت قيادات أخرى أن ما يحدث ليس إلا «احتجاجات موسمية مسيّسة لا هبة جماهيرية من عشرات آلاف المواطنين المحاصرين على شاكلة مسيرات زاحفة تنطلق متى شاءت في وجه العدو وتحرجه إلى حد ألا يستطيع استهداف هذه الأعداد الكبيرة في ظل تغطية إعلامية مباشرة». وبمقارنة ما يحدث على حدود القطاع بالضفة أو بالقدس، يرى هؤلاء أن للأخيرتين ظروفاً مختلفة، خاصة أن المواجهة مباشرة هناك.
ويضربون مثالاً بالشاب عمر العبد، الذي توجه قبل أكثر من أسبوع نحو مستوطنة «حلميش»، شمال رام الله وقتل ثلاثة مستوطنين هناك، إذ كان على دراية بالطريق المؤدية إليها والقريبة من بلدته كوبر، تماماً كحال غيره من شباب الضفة والقدس الذين يأخذون على عاتقهم قرار تنفيذ عمليات الدهس والاشتباك المسلح والطعن، حيث احتكاكهم مباشر مع قوات الاحتلال و«من النقطة الصفر».
أما في القطاع، فثمة فاصل جغرافي يمتد مئات أو عشرات الأمتار مع الحدود الإسرائيلية يحول دون الاحتكاك مع جنود العدو، إضافة إلى أن غزة باتت خالية من المستوطنات منذ صيف 2005 حينما كانت تشهد مداخل تلك المستوطنات اشتباكات تربك العدو وتشغله. ومنذ انطلاق الشباب إلى طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع لم يسقط قتيل إسرائيلي واحد أو حتى إصابة بين صفوف جنوده، على نحو يُثير انتباه الإعلام الدولي أو يؤثّر حتى في قرارات حكومة العدو.
يشار إلى أن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، كان قد هدد في بداية هذه التظاهرات باستهدافها بقوة في حال اقترابها أكثر من الحدود.
فإذا كانت القضية محاولة لإبراز الحالة الفلسطينية إعلامياً والإشارة إلى حصار غزة، فلماذا لا تحوّل إلى مسيرات احتجاجية بعيداً عن الرصاص الإسرائيلي؟ يجيب أبو سلمية، مثل ناشطين آخرين، بأن «عمر الحراك قصير، ورغم ذلك زار بعض المبعوثين الأمميين القطاع خلال المدة الماضية لوقف هذه الفعاليات... أصلاً ضحايا الحصار والموت البطيء يفوق عددهم شهداء وجرحى المواجهات».
أبو سلمية وآخرون أظهروا تفائلاً بمدى تأثير مثل هذه التحركات في المدى البعيد، مستشهدين بـ«المرابطين المقدسيين» أمام بوابات الأقصى، الذين استطاعوا إيصال قضيتهم إلى العالم، أي أن الأمر تراكمي كما يرون. ويضيف أن «من يرتكب الجريمة هو الاحتلال لكونه يواجه شباباً لا ترفع أيديهم سوى اللافتات والأعلام وتكتفي بإشعال الإطارات».
وكان «الحراك الشبابي» نفسه قد نفّذ منذ انطلاقه 13 فعالية أمام شركة الكهرباء احتجاجاً على الأزمة القائمة و52 أخرى أمام المستشفيات استنكاراً لقرار السلطة وقف التحويلات الطبية للمرضى إلى المستشفيات الإسرائيلية، فيما يتهم أنصار حراك شبابي سابق ــ نظموا مسيرات بسبب أزمة الكهرباء في غزة ــ حركة «حماس» أنها «اختطفت» حراكهم وجيّرته لمصلحتها.