لا يكفي الشاب الفلسطيني علاء زيود همّ العيش ضمن المنظومة الاحتلالية، ولا أن تعامله إسرائيل على أنه «ضيف» في وطنه، كما لا يكفيه تحمل عبء وضريبة الاستمرار في حياة كهذه أساساً. مع ذلك، هو لم يجتهد لفعل شيء ليتخلص من هذا الثقل، كل ما في الأمر أنه كان يقود سيارته في ليلة السابع عشر من تشرين الأول 2015، في الشارع الرقم 65 القريب من مدينة الخضيرة، وفجأة اصطدمت مركبته بواحدة أخرى فيها 4 إسرائيليين.
«لسوء حظ» زيود (20 عاماً) أن حادث سيارته لم يقع خلال «مدة عادية»، وإنما وقع في وقت زادت فيه عمليات الطعن والدهس، والأفظع أن سيارته اصطدمت بسيارة مدينة أخرى، لكن بداخلها أربعة جنود إسرائيليين مدججين برشاشاتهم. في تلك اللحظة، ما إن ترجل من سيارته ليعاين الأضرار، حتى انهال عليه الجنود بالضرب. لذلك، لم يكن أمامه خيار سوى أن يدافع عن نفسه بسكين كانت بحوزته.
حُكم زيود قبل نحو سنة بالسجن مدة 25 عاماً، وبدفع غرامة قيمتها 90 ألف دولار أميركي كتعويض لكل واحد من الجنود المصابين. رغم ذلك، لم تكتفِ المحكمة المركزية في مدينة حيفا المحتلة بهذا «العقاب»، بل قررت أمس سحب جنسيته الإسرائيلية منه، في سابقة هي الأولى من نوعها.
بذلك، تجاوزت «المركزية» كل النداءات التي وجهتها لها المنظمات العالمية «الحقوقية»، وعلى رأسها «العفو الدولية»، إذ كانت الأخيرة قد طالبت وزير الداخلية، أرييه درعي، بالعدول عن قرار سحب جنسية زيود، معتبرة في رسالة سابقة أن «تنفيذ مثل هذه القرارات مس صارخ بالحق في المواطنة والحقوق المترتبة عليها، وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
سابقة سحب الجنسية «هي دليل قاطع على أن مواطنة العربي الفلسطيني في إسرائيل لا يُنظر إليها كحق أساسي، وإنما ينظر إليها كمواطنة مشروطة»، يقول المحامي الفلسطيني، يامن زيدان.
ويشرح زيدان في حديث إلى «الأخبار» أن «وضعية الفلسطينيين الخاصة في إسرائيل والصراع الدائم الذي يعيشونه يومياً كأصحاب الأرض من جهة، وليسوا أصحاب الدولة من جهة أخرى، يجعل مواطنتهم مشروطة ومعرضة للخطر دائماً».
ماذا قد يترتب عن سحب الجنسية؟ يوضح زيدان أن المواطن «يفقد حماية الدولة على جميع الأصعدة، فسحب الجنسية يعني فقدان الحق بحيازة جواز سفر، ثم فقدان الحق بالتنقل أو بدخول الدولة، ويفقد الحصانة من تسليمه لدولة أخرى، كما يكون عرضة للتهجير في كل لحظة، بالإضافة إلى أن من تسحب جنسيته يفقد الحق بالعمل، ولا سيما في المؤسسات الحكومية، وكذلك الحق بالاقتراع أو الترشح».
في غضون ذلك، رأى المحامي الفلسطيني أن سحب جنسية زيود «تعبير عن عقاب متطرف وفق معايير الديموقراطية التي تدّعيها اسرائيل، وهو تعبير عن تطرف هذه الحكومة»، إذ إن «مواطنة الفلسطيني تُضرب مرتين، مرة كونها منقوصة لأسباب عرقية واستعمارية، وأخرى كونها مشروطة ومعرضة للسحب».
وكان وزير الداخلية، درعي، قد طلب تبعاً لطلب سلفه، سلفان شالوم، سحب مواطنة زيود، بعدما أدين الأخير بـ«تنفيذ عملية دهس وطعن بحق أربعة جنود إسرائيليين، وأربع محاولات قتل، بالإضافة إلى حيازة سكين» في مفترق طرق «جان شموئيل». وأخيراً، نفذت «المركزية» قرار الوزير ممهلةً زيود حتى مطلع تشرين الأول المقبل لتقديم الاستئناف على قرارها الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد بتّ الاستئناف.

زيدان: سحب جنسية زيود تعبير عن عقاب متطرف

وكانت «الداخلية» قد عملت بتوصيات وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، وقدمت إلى النيابة العامة طلباً للمحكمة «المركزية» بسحب جنسية زيود، وذلك بعدما كان وزير الداخلية المستقيل (بعد فضائحه الجنسية)، سيلفان شالوم، وكذلك المستشار القضائي للحكومة، أفخاي مندلبليت، قد طلبا في آذار من العام الماضي، تجريد زيود من جنسيته.
كذلك، علّل نائب رئيس المحكمة المركزية، القاضي إبراهام إلياكيم، حكمه بالقول إن «سحب الجنسية من زيود خطوة لازمة ومقبولة، فلكل مواطن هناك حقوق وواجبات، ولعل أهم الواجبات الحفاظ على الولاء للدولة، إذ إن التعبير عن الولاء للدولة يكون بتجنب المشاركة في أعمال عدائية والمس بأمنها وأمن مواطنيها». ورأى إلياكيم أن «زيود استغل مبدأ حريّة التنقّل من أجل المس بأمن الدولة وبسلامة مواطنيها، وأراد بفعلته أن يسود جو من الإرهاب وأن يقتل أشخاصاً، ويحرمهم حياتهم... ولذلك هو يستحق سحب الجنسية».
في المقابل، أعلن كل من مركز «عدالة» الحقوقي وجمعية «حقوق المواطن»، أمس، عزمهما على تقديم استئناف إلى «المحكمة الإسرائيلية العليا» ضد قرار «المركزية» بسحب جنسية زيود. ورأت المؤسستان في بيان، أن «قرار سحب مواطنة زيود سابقة قانونية خطيرة، وهذا ليس مصادفة، إذ إنه لم يسبق أن طلب وزير الداخلية من أي محكمة المصادقة على سحب مواطنة مواطن يهودي، رغم ارتكاب بعضهم جرائم خطيرة وجسيمة». وأشار البيان إلى أن «المحكمة المركزية نفسها رفضت سحب مواطنة يغئال عمير، وتعاملت مع قضيته من المسار الجنائي فقط»، في إشارة إلى من اغتال الرئيس الإسرائيلي السابق إسحاق رابين.