عمان ــ الأخبارتكتمل التحضيرات لانتخابات المجالس البلدية، ولمجالس المحافظات (اللامركزية) في الأردن، المنوي عقدها يوم الثلاثاء المقبل في اثنتي عشرة محافظة، وهذه الانتخابات هي الأولى من نوعها لتشكيل مجالس محافظات وفق قانون اللامركزية المصدّق عليه عام 2015، فيما سيجرى انتخاب المجالس البلدية وفق قانون معدل يعطي صلاحيات أوسع لوزير البلديات.

وبجانب الدعاية الانتخابية، وإعلانات تحفيز المشاركة التي تظهر عليها رعاية الوكالة الأميركية الدولية للتطوير (USAID) والاتحاد الأوروبي، لا يزال أردنيون كثيرون مرتبكين إزاء كلا القانونين، الجديد والمعدل، وفحوى كل منهما وما سيترتب عليهما، إضافة إلى تداخل المهمات بينهما، وخصوصاً أن الانتخاب للاثنين سيكون في اليوم نفسه، إذ سيصوّت الناخب لمجلس المحافظة والبلدية، وهو ما قد يؤثر في نسبة المشاركة.
وكانت الحكومة تروّج لقانون اللامركزية (قانون مجالس المحافظات) على أساس أنه «خطوة إصلاحية ذات جوهر تنموي» ينهض بمحافظات الأطراف التي هُضم حقها، في وقت نالت فيه العاصمة الجزء الأكبر من الخدمات والاستثمارات. لكن الهيكلية التي يقوم عليها «اللامركزية» تُحكم قبضة السلطة التنفيذية متمثلة بوزارة الداخلية على واحد من أصل مجلسين في كل محافظة، وتحديداً المجلس التنفيذي المعين بالكامل والذي يترأسه المحافظ، فيما يكون المجلس الآخر (مجلس المحافظة) منتخباً بنسبة 85% وباقي النسبة يعينها مجلس الوزراء.
بذلك، لا يكون في هذه الهيكلية سوى مزيد من البيروقراطية واستحداث مناصب جديدة بمسميات تناسب فكرة اللامركزية، لكن بجوهر يعكس سيطرة وتغوّل السلطة التنفيذية على الدور الرقابي والتشريعي لهذا المجلس الذي انحصرت مهماته في إقرار الخطط والتوصيات وموازنة المحافظة الموضوعة أساساً في المجلس التنفيذي.
ويبدو الحديث عن استقلالية مالية ومرونة إدارية أمراً مستغرباً في بلد ذي مساحة صغيرة نسبياً، إذ إن أبعد مسافة براً عن المركز لا تحتاج إلى أكثر من أربع ساعات. وحتى هذه اللحظة، ووفق القانون، لا يوجد تمثيل حقيقي للقواعد الشعبية من أجل المساهمة في العملية التنموية كما هو الهدف المعلن من تبني اللامركزية، لأنه لا مجالس محلية فعلية ستعمل بصورة مستقلة ومنفصلة عن المركز، بل هناك صلاحيات واسعة لمجلس الوزراء في التعيين واتخاذ القرارات بشأن أهم بند وهو الموازنة.
وفي هذا البند، تقول الحكومة بوضوح إن «إيراداتها مركزية ونفقاتها لامركزية»، وهذا ضرب للفكرة المستحدثة، حيث لا اكتفاء مادياً لكل محافظة ولا حرية في التصرف في النفقات. ومن جانب آخر، تشكل السلطة التنفيذية المرجعية في حل الخلاف بين «الحكومة المحلية» ومجالس المحافظات «شبه المنتخبة»، وبهذا تكون الحكومة، ممثلة بـ«الداخلية»، هي الخصم والحكم!
وفي خضم ارتفاع سقف المديونية الأردنية إلى حاجز 38 مليار دولار، ومع حزمة الإصلاحات التي فرضها البنك الدولي (كانت بعثته في زيارة للمملكة قبل وقت قصير)، سيتحمل الأردنيون كلفة طبقة إدارية جديدة مستحدثة وفق القانون، عدا تكلفة هذه الانتخابات التي تفوق 26 مليون دولار وفق «الهيئة المستقلة للانتخابات». وإن كانت المساعدات الدولية ستقدم لإتمام سير العملية الانتخابية، لا تزال الموازنة بحاجة إلى إيرادات أخرى تغطي نفقات الموظفين الجدد وآلية تنفيذ العمليات وفق القانون الجديد، علماً بأن الموازنة تدعم ببنود خاصة نفقات المحافظات والمشاريع التنموية فيها.

إشكالية القانون أن الصلاحية بقيت واسعة للحكومة في بند الموازنة

وربما تمثل هذه الانتخابات (تحديداً البلديات) فرصة أخرى للإسلاميين، ولا سيما جماعة «الإخوان المسلمين» التي شهدت انقسامات أدت إلى سحب ترخيصها، للحضور في الساحة وإثبات الوجود، وخاصة في مناطق النفوذ التقليدية لها كالزرقاء والرصيفة، وذلك بعدما تمكنوا من الحصول على 15 مقعداً في الانتخابات النيابية العام الماضي.
وبالمقارنة مع دول عربية ذات مساحات شاسعة، مثل السودان ومصر، لا تزال تجربة اللامركزية فيها قيد الدراسة، ومع ذلك، وضع الأردن هذا الشكل الإداري في الحكم على سكة التنفيذ، علماً بأن مشروع قانون سابق بتقسيم المملكة إلى أقاليم قبل موجة «الربيع العربي» بعدة سنوات، وآنذاك أثار ضجة في الساحة المحلية، إذ رأى فيه المعارضون مقدمة لتفكيك الوحدة الوطنية وضم الضفة الغربية إلى الأردن (مقترح الكونفدرالية)، وهي قضية تشكل هاجساً يقلق الشرق ــ الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء.
وقبل عام، شهد الأردن انتخابات نيابية وفق قانون انتخاب معدل يعتمد مبدأ القائمة النسبية المفتوحة التي لم تنجح بإفراز نواب بعيداً عن انتماءاتهم العشائرية والجهوية، ومن ثم تشكيل حكومة برلمانية. فهل ستسفر اللامركزية عن تجاوز ما أخفقت في فعله أهم مرجعية تشريعية ورقابية أردنية ممثلة بمجلس النواب؟