لا تقتصر أهمية التقدير الذي قدَّمه رئيس الموساد يوسي كوهين أمام الحكومة عن التهديدات التي تنطوي عليها مسارات البيئة الاقليمية، على المضامين التي وردت فيه فقط، بل أيضاً في توقيته وسياقاته، الذي لا ينفصل عن مضامينه. على مستوى التوقيت، يأتي هذا العرض، ولمزيد من الدقة ما سُمح بنشره في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بعد التطورات التي شهدتها وتشهدها الساحتان السورية والعراقية، والإقليمية.
واستُنفِد خلالها الكثير من الرهانات الإسرائيلية على الجماعات الإرهابية والتكفيرية، التي تهدد دول المنطقة، شعوباً وأنظمة وحركات مقاومة. وتأتي تحذيرات رئيس الموساد بعدما حقّق محور المقاومة انتصارات استراتيجية وضعت إسرائيل والمنطقة أمام معادلات غيّرت مجرى الصراع، ودفعت الكيان الإسرائيلي للمسارعة إلى التحذير من هذا المسار ورفع الصوت من الأخطار التي تحدق بالأمن القومي الإسرائيلي.
التحولات التي تمرّ بها المنطقة، تفترض بالضرورة أن تكون الأجهزة الاستخبارية، ومن ضمنها الموساد في ذروة نشاطاتها على مستوى الدراسة والتقدير وتقديم التوصيات ووضع الخطط للتعامل مع المرحلة الجديدة. وما نُشر في وسائل الإعلام عن المواقف التي قدمها رئيس الموساد – بالتأكيد – ليس سوى شيء يسير مما يذكر في مثل هذه الجلسات. مع ذلك، لم يكتفِ رئيس الموساد بالعرض أمام وزراء الحكومة، بل كما ورد في موقع «واللا» العبري، تضمن كلامه تحذيراً من التهديد الإيراني الإقليمي الذي يتعزز «بعد الاتفاق النووي»، بل «ومن شأنه أن يتعاظم»، مؤكداً أن «المنطقة تتغير في غير مصلحتنا»، وهو توصيف ينطوي على تقويم لمجمل الوضع على المستوى الاقليمي.
أيضاً، تناول كوهين عرضاً وتقويماً للتهديد الكامن في وجود حزب الله والإيرانيين في جنوب سوريا، بالقول إن «إسرائيل لا تشخّص فقط وجوداً لإيران وحزب الله، بل أيضاً لقوات شيعية غير إيرانية من كل أرجاء العالم، تشق طريقها إلى المنطقة». وكان لافتاً أن رئيس الموساد أوصى بضرورة أن تكون «المهمة الأولى هي وقف ذلك»، وينطوي هذا الموقف على تقدير إسرائيلي إزاء أولوية هذا التهديد وتقدمه على ما دونه في هذه المرحلة.
في السياق نفسه، تناول رئيس الموساد اتفاق وقف النار في جنوب سوريا، الذي جرى التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا، وشدّدت إسرائيل على ضرورة أن يتضمن إخراج «القوات الشيعية والإيرانية من المنطقة».
ونتيجة عدم انضواء الموقف الإسرائيلي في هذا الاتفاق، بحسب ما ورد في موقع «واللا»، لفت رئيس الموساد إلى أن «الجهود لتغيير الاتفاق متواصلة، ولكن الطموح الإسرائيلي لحد الآن لم يستوعبه الجانب الأميركي».
مع ذلك، رأى كوهين أمام وزراء الحكومة أن «الأمر الأكبر» بالنسبة إلى إسرائيل هو «الهلال الشيعي الذي تشكّل بدءاً من إيران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى لبنان». وهو المفهوم الذي يستخدمه الإسرائيلي في التعبير عن مخاوفه من التواصل الجغرافي بين أطراف محور المقاومة من طهران إلى بيروت. أما بخصوص الرهان لتحقيق قدر من التعديل في هذا الاتفاق، الذي رأت فيه تل أبيب تكريساً للمخاطر المتعاظمة بفعل انتصار محور المقاومة في سوريا، فتمثل بما نقله موقع «واللا» عن مسؤول إسرائيلي رفيع شارك في جلسة الحكومة، بالقول إنّ «الولايات المتحدة الأميركية هي المؤثر الأساسي في بلورة السياسات في الشرق الأوسط وينبغي استغلال الفرصة مع إدارة (الرئيس دونالد) ترامب في مقاربتها لذلك».
حول التقرير نفسه، أصدر مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية بياناً تناول فيه عرض رئيس الموساد أمام الوزراء للوضع في المنطقة. وأوضح أنّ كوهين شدّد على أن «المسار المركزي الذي يجري اليوم في الشرق الأوسط هو التمدد الإيراني عبر قوات إيرانية ومبعوثين محليين، يتمركزون في سوريا، لبنان والعراق واليمن». وهو ما يعكس حرصاً من مكتب رئاسة الحكومة على تظهير تقديرات الأجهزة المهنية التي تعزز الرؤية التي تتبناها المؤسسة السياسية وخياراتها. وفي هذا الإطار، أيضاً، كرّر مكتب رئاسة الحكومة الموقف الرسمي لإسرائيل إزاء المخاطر التي يمكن أن تترتب عن القضاء على «داعش»، مشيراً إلى أنّ «الأماكن التي يتقلص فيها وجود داعش تعمل إيران على ملء الفراغ» الناتج من ذلك. وشدّد مكتب رئاسة الحكومة على تظهير موقف الموساد من المخاطر التي نتجت وما زالت تتوالى على الاتفاق النووي مع إيران، موضحاً ذلك بالقول أن «كوهين قال إن إيران لم تتخلّ عن طموحها للتحول إلى دولة حافة نووية، وأن الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران فقط، يُعزز هذا الاتجاه ويعزز العدوانية الإيرانية في المنطقة». وهو بذلك أراد القول إن خلفيات الرفض الإسرائيلي للاتفاق ثبتت صحتها في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة. ولذلك، أضاف بيان المكتب أن كوهين أشار أيضاً إلى أنه «منذ توقيع الاتفاق، إيران في حالة نمو اقتصادي والاتفاقات الدولية الجديدة ستؤدي فقط إلى تعزيز اقتصادها». في هذه القضية بالذات، «انقضّ» نتنياهو ليؤكد أن «هذا الكلام يشكّل دليلاً واضحاً على أن الفرضيات الأساسية للاتفاق مع إيران، كانت خاطئة منذ البداية». وعقّب على ذلك بالقول إنّ «إسرائيل ليست ملزمة بأي شكل بالاتفاقات الدولية التي وقّعتها إيران»، وستواصل «العمل بتصميم وبمختلف الأساليب من أجل الدفاع عن نفسها في مقابل هذه التهديدات».