تتوالى التقديرات الإسرائيلية التي ترجّح مبدأ التوصل الى اتفاق شامل ونهائي بين إيران والسداسية الدولية. ولا يكاد يوجد صوت في إسرائيل يرى أنه ما زال بالإمكان فشل المفاوضات النووية، بصرف النظر عمّا إذا كانت ستتمخض عن اتفاق في هذه المرحلة. لكن تداعيات ومفاعيل هذا الاتفاق لا تقتصر فقط على الأبعاد الاستراتيجية، بل تؤشر أيضاً الى فشل سياسة الهجوم والتهويل التي اعتمدتها إسرائيل، طوال السنوات السابقة، وتحديداً في ظل قيادة رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو.
وبعد انطلاق المفاوضات وإخفاق إسرائيل في قطع الطريق عليها بعدما بلغت مرحلة حاسمة، يؤشر التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل على سقوط خطوط الدفاع الامامية التي جنّدت تل أبيب لصالحها علاقاتها السياسية وجهودها الدبلوماسية. وهو ما دفعها الآن إلى التراجع الى خطوط الدفاع الاخيرة، رغم أن فرص نجاحها أمر فيه نظر في بعض الاوساط الاسرائيلية. على هذه الخلفية تستعد إسرائيل لخوض مواجهة شرسة ضد الاتفاق الذي يرجّح أن يتم التوصل اليه، في ساحة الكونغرس الاميركي.
على خط مواز، يبدو أن معارضي نتنياهو وخصومه في الساحة الداخلية يستعدون، في ضوء توالي المؤشرات على قرب التوصل الى اتفاق، لشن حملة تشهير ضده. وهم يرون أنه بنى مجده السياسي على شعار مواجهة التهديد النووي الايراني. لكن الاتفاق النهائي الذي ينطوي على إقرار وشرعنة دوليين بتحول إيران الى دولة حافة نووية، يعني فشل السياسات التي اتبعها نتنياهو، وهو ما يعني، بنظر معارضيه، ضرورة أن يدفعه ذلك الى الاعلان عن الاستقالة.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين ترجيحهم أن الجانبين الايراني والسداسية الدولية سيتوصلان الى اتفاق نهائي، معتبرين أن هذا الاتفاق أسوأ بكثير من الاتفاق الاوّلي الذي تم التوقيع عليه قبل حوالى أربعة أشهر في لوزان، وهو ما عبّر عنه نتنياهو أيضاً قبل يومين.
ومع أن إسرائيل لا تزال تأمل في إدخال تعديلات اللحظة الأخيرة على الاتفاق، فإن تقديرات تحقق ذلك ما زالت ضئيلة. لكن التقديرات التي ترجّح حصول الاتفاق، دفعت إسرائيل إلى الاستعداد "للمعركة المقبلة" عبر إحباط إقرار هذا الاتفاق في الكونغرس الأميركي.
الى ذلك، تستعد إسرائيل لمواجهة احتمال أن يستخدم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، "الفيتو" في حال تبيّن أن أغلبية النواب في الكونغرس يعارضون الاتفاق. وفي هذه الحالة سيحتاج إقرار الاتفاق إلى تأييد أغلبية ثلثي أعضاء الكونغرس. وتسعى إسرائيل إلى حدوث وضع كهذا، وأن تتمكن من إحباط الاتفاق في الكونغرس.
ومن أجل ذلك، لفتت "يديعوت أحرونوت" الى أن إسرائيل تمارس ضغوطاً على أعضاء في الكونغرس من أجل إسقاط الاتفاق في التصويت الاول. وفي حال انطلق هذا المسار الى حيّز التنفيذ، سيتم تعزيز الجهود الدبلوماسية من أجل تجنيد ثلثي أعضاء الكونغرس لمعارضة الاتفاق والالتفاف على "الفيتو" الرئاسي.
لكن يبدو أن الاستعداد الاسرائيلي لا ينبع بالضرورة من وجود اقتناع بالقدرة على إحباط الاتفاق، بل على قاعدة استنفاد كافة الوسائل وعدم التسليم بالوقائع حتى لو باتت حقيقة ناجزة. وهذا ما يفسّر ما نقلته "يديعوت" عن مسؤولين إسرائيليين توقعهم أن ينجح أوباما في تجنيد أغلبية في الكونغرس في التصويت الاول على الاتفاق. ويستند هذا التوقع الى أن أعضاء الكونغرس يخشون من أن تضر عرقلة الاتفاق بالصناعة الاميركية اقتصادياً، في الوقت الذي تبدأ فيه الدول الكبرى الخمس الأخرى بعقد صفقات مع إيران. رغم ذلك، يرى مسؤولون إسرائيليون آخرون أن المعركة على الاتفاق ليست خاسرة بعد، وما زال بالإمكان التأثير في صيغتها النهائية.
في السياق نفسه، انتقدت جهات سياسية إسرائيلية نتنياهو لكونه لم يبدأ اتصالات مع الادارة الاميركية حول حجم رزمة المساعدات الأمنية التي ستطلبها إسرائيل من أميركا بعد توقيع الاتفاق. وترى المصادر نفسها أنه على عكس إسرائيل، تقوم السعودية ودول الخليج بإجراء مفاوضات مع الأميركيين لتعويضها عن الاتفاق.
من جهته، وجّه رئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لابيد، انتقاداً لاذعاً لنتنياهو، داعياً إياه الى الاستقالة في حال تم التوصل الى اتفاق بين إيران والدول الغربية. مع ذلك، رأى لابيد أن "الاتفاق سيّئ لدولة إسرائيل وليس هناك ائتلاف ومعارضة حول هذا الموضوع، ويعارضه الجميع". وتابع: "إذا تم توقيع الاتفاق، فالحديث يجري عن فشل يرفرف فوق اسم بنيامين نتنياهو بكل ما يتعلق به في كل الأوقات". وبرّر لابيد دعوته نتنياهو إلى الاستقالة، في حال تم التوصل الى اتفاق، بأن الأخير "خاض ثلاث حملات انتخابية وقال إنه هو وحده قادر على مواجهة النووي الإيراني، ورغم ذلك يتم التوقيع على الاتفاق. لقد أدّت سياسته إلى عدم وجود ممثل عنّا في فيينا، وان الإدارة الأميركية لم تكن مستعدة للاستماع إلى مواقفنا، ولم تأخذ بعين الاعتبار كل الدول الأعضاء في المؤتمر ادّعاءات إسرائيل الصحيحة".
في المقابل، ردّ القيادي في حزب "الليكود" رئيس الائتلاف الحكومي، تساحي هنغبي، على أقوال لابيد غاضباً: "تثير أقوال لابيد الغضب. يترأس رئيس الحكومة معركة قاسية طوال سنوات، ومن دون خطواته لم تكن لتُفرض عقوبات على إيران. فإن الادّعاء أن رئيس الحكومة هو الذي تسبّب في التوقيع على الاتفاق ليس صحيحاً".