بغداد | عمشة وشيلان، شقيقتان وضحيتان كغيرهما من الإيزيديات اللواتي حوّلهن وحوش «داعش» إلى «سبايا». تحررت الشابتان من الأسر قبل نحو أكثر من عامين تقريباً، بعدما كانتا في قبضة الرجل الثاني في تنظيم «داعش»، أبو معتز (راجع الكادر)، في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى.
كانت الأختان عمشة شهاب أحمد جاسو (٢٣ عاماً) وشيلان شهاب أحمد جاسو (١٩عاماً) قد قضتا عاماً كاملاً في الأسر بعد اختطاف «داعش» لهما إبان أحداث جبل سنجار في الثالث من آب 2014.
مقرّبون من الناجيتين قالوا إنّ الفتاتين أُوصلتا إلى أربيل بعد تحريرهما، وعندها حقّقت معهما البيشمركة والقوات الأميركية. التحقيق استمر لمدة أسبوع تقريباً، ثمّ رُحِّلّتا إلى أحد مخيمات النازحين في مدينة زاخو أقصى شمال العراق.
بعدها بثلاثة أشهر تقريباً من عملية الإفراج عنهما، شُملت الشقيقتان ببرنامج الحكومة الألمانية المتخصص (بإعادة تأهيل الناجيات الإيزيديات من «داعش»)، فنُقلَتا إلى مدينة هانوفر الألمانية. ووفقاً لمقرب منهما، إن «قوة أمنية أميركية يشتبه بأنها من الـ CIA جاءت إلى هانوفر والتقت بالناجيتين، قبل أن تُنقَلا إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية بموافقة الحكومة الألمانية من دون معرفة التفاصيل التي دفعت إلى سفرهن خارج ألمانيا».
المجتمع الإيزيدي، كأي مجتمع محافظ، يجد أبناؤه صعوبة كبيرة في الحديث عن موضوع يتعلّق بنسائه. هذا ما أكدته الناشطة الإيزيدية ولاء باقو. ترى باقو أن الهدف من عملية نقل الفتاتين، عمشة وشيلان، إلى كاليفورنيا هو «إجراء تحقيق معهما». وتشير البرلمانية السابقة إلى أن «الفتاتين بعد عملية إنقاذهما سكنتا مع عمهما نايف جاسو، قائد قوات الحشد (إيزيدخان) في محافظة دهوك».
من جهته، اختصر نايف جاسو الحديث بالقول: «لقد سافرتا إلى هانوفر في ألمانيا، ومعهما اثنتان من بنات أخي الآخر، وبعدها سمعت بسفرهما إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ ذلك الوقت لم أجرِ معهما أي اتصال هاتفي، ولم أعرف عن أخبارهما شيئاً يذكر»، مبرراً الأمر بانشغاله في «قتال التنظيم وإعادة النازحين إلى سنجار».
وبدوره، كشف رئيس منظمة «إيزدا» (لمساعدة الناجيات الإيزيديات)، مراد إسماعيل، أن «هناك منظمة إنسانية أميركية (لم يذكر اسمها) هي التي نقلت الشقيقتين من هانوفر إلى كاليفورنيا لمساعدتهما وحمايتهما». ورفض الحديث عنهما، قائلاً: «أنا لا أعرف تفاصيل أخرى عن حالتهما».
بينما تروي صديقة الشقيقتين التي كانت مختطفة أيضاً لدى التنظيم وتسكن حالياً في ألمانيا، ورفضت الإفصاح عن اسمها خشية من ملاحقة المخابرات الألمانية والأميركية لها، تفاصيل عملية تسفيرهما إلى كاليفورنيا، أن «الشقيقتين وصلتا إلى فونستورف، وهو حيّ صغير في مدينة هانوفر بألمانيا في تاريخ ٢٢/٩/٢٠١٥، وبعدها بأسبوع تقريباً من عملية وصولهما، التقى بالشقيقتين مسوؤلون يقال إنهم من المخابرات الأميركية يرافقهم أشخاص من المخابرات الألمانية، ومعهم أشخاص يتكلمون اللغة الكردية، وطالبوا منهن السفر برفقتهم إلى كاليفورنيا، وفي تاريخ 22/10/2015 جرى تسفيرهما من دون علم ذويهما إلى كاليفورنيا»، مشيرةً إلى أن «عمشة وشيلان عندما كانتا مختطفتين، اطلعن على معلومات وأسرار مهمة عن تنظيم الدولة من بينها اجتماع حصل بين جهة عسكرية أجنبية مع أبو معتز في تلعفر».
وأشارت الناجية الإيزيدية إلى أنه «عند سؤالنا الألمان عن سبب السفر إلى كاليفورنيا، قالوا لإكمال عملية معالجتهما النفسية بنحو أفضل، وجاءت موافقة تسفيرهما من قبل الإدارة العليا في المانيا». وأوضحت أن «الشقيقتين حالياً تعيشان في كاليفورنيا وتدرسان في إحدى المدارس، إلا أن وضعهما النفسي متدهور جداً بالرغم من توفير كل وسائل الراحة لهما، ولهما حساب مالي ممتاز (لم تذكر قيمته) في البنك»، مشيرةً إلى أن «عمشة تعلمت قيادة السيارة واشترت سيارة فاخرة جداً وهما تسكنان في بيت كبير وجميل».

تتعرض الإيزيديات الناجيات من قيادات التنظيم لملاحقة المخابرات المحلية والدولية

وأشارت إلى أن «الشقيقتين كان لديهما سابقاً حسابان على موقع فايسبوك، إلا أنهما أُلغيا بعد رحيلهما إلى كاليفورنيا». وقد رفضت الصديقة منحنا أرقام هاتفيهما الخاصة.
والشقيقتان هما أُولَيا الإيزيديات الناجيات من «داعش» واللواتي يجري تسفيرهن إلى الولايات المتحدة حيث لم تذهب أي ناجية غيرهما حتى الآن، حسبما أفادت صديقة الشقيقتين. وعلى ما يبدو، إن الإيزيديات المسبيات لدى قيادات التنظيم يتعرضن لملاحقات من قبل المخابرات المحلية والدولية بعد عملية النجاة، أما الإيزيديات الناجيات الأخريات اللاتي كن يُبَعن في سوق النخاسة بين عناصر التنظيم فلم يكنّ محط اهتمام.
واعترف مراد إسماعيل بتعرض الناجيات المسبيات لدى قيادات في التنظيم للمساءلة القانونية من قبل جهات محلية وأجنبية (رفض تسميتها): «ليس هناك ملاحقة للناجيات، لكن هناك نوع من الرغبة للكثيرين من جهات محلية وأجنبية للحصول على معلومات وليس هناك تحقيق بمعنى التحقيق معهن». ونفى إسماعيل أن يكون «هناك فرق بين الناجيات في تقديم الخدمات التي يتلقينها من قبل المنظمات لكونهن تعرضن للدرجة نفسها من المأساة».
وتشرف على تنفيذ برنامج إعادة تأهيل الناجيات في ألمانيا منظمة «الجسر الجوي العراقي الألماني» التي تهتم باختيار الحالات وتسفيرها. «عند وصولهن إلى ألمانيا، تُمنَح الناجيات إقامة لمدة سنتين ويُوفر لهن السكن والمعيشة والراتب والعلاج الطبي والنفسي»، يوضح الدكتور ميرزا بناوي، مدير المنظمة، مؤكداً أن «أكثر ما تحتاج إليه أغلب الناجيات اللواتي سافرن، هو الخروج من الجو الذي كن يعشن فيه في العراق، حتى يشعرن بالأمان والاستقرار». بعد السنتين، يكون للناجية الحرية في العودة إلى العراق أو البقاء، حيث تتمتع بإقامة دائمة في ألمانيا.
واختيار الحالات التي يجري تسفيرها يكون عبر جملة من المقاييس التي يحددها البرنامج وتُعطى الأولوية لـ «النساء اللواتي كن أسيرات في أيدي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ونجحن في الهرب، بمعنى النساء اللواتي هنّ بحاجة إلى حماية، أو تعرضن لصدمات نفسية أو أصبن بمرض آخر نتيجة الأسر»، حسبما حدده إلهان كيزيلهان، المعالج النفسي الألماني والخبير في مجال الصدمات النفسية الذي يسافر باستمرار إلى العراق ليشرف على هذه العملية، وذلك في تصريحه لقناة «دوتشيه فيليه» الألمانية.
بينما كان للناشط ايزيدي ر. ه الذي رفض الإفصاح عن هويته، رأي آخر، إذ قال إن «برنامج الحكومة الألمانية المتعلق بإعادة تأهيل الناجيات من داعش، يعمل على تسفير الإيزيديات اللواتي كن مسبيات لدى قياديين في التنظيم الإرهابي من دون شروط، بينما يطبق الشروط مع الإيزيديات المسبيات لدى مقاتلين عاديين»، مشيراً إلى «قدوم لجنة إلى العراق تتكون من أطباء نفسيين من ألمانيا يقومون بمقابلة الناجيات، ويختارون من تصلح منهن للبرنامج»، مبيناً أن «البرنامج شمل لغاية الآن 1221 ناجية».
وأكد الناشط أن القوات الأميركية في الإقليم تجري تحقيقاً مع الناجيات الإيزيديات في دهوك، مشيراً إلى أن «أكثر من 20 ناجية إيزيدية تعرضن للتحقيق من قبل القوات الأجنبية: أميركية وأوروبية، وبعد شمولهن في برنامج حكومة ألمانيا، لم نعرف بعد ذلك مصيرهن حتى الآن»، مشيراً إلى أنه «يقال إنهن في إحدى الولايات الأميركية».
كذلك تُجري قوات الأمن العراقية أيضاً تحقيقاً معقداً مع الناجيات الإيزيديات من قبضة قيادي في التنظيم، في مقارّ لها ببغداد. وتروي نازك ملاك إحدى الناجيات الإيزيديات من التنظيم قبل نحو شهرين، تفاصيل تعرضها للتحقيق من قبل الجيش العراقي والبيشمركة، حين جرى تحريرها من تحت الأنقاض في أيمن الموصل إثر ضربة جوية استهدفت منزلاً، فتقول: «لقد نُقلتُ مباشرة إلى مقر عسكري قرب أربيل، وبعدها قلت لهم إنني كنت مسبية لدى القيادي (أبو أحمد الشيشاني)، بعد ذلك نقلوني بطائرة إلى بغداد، ثم أجروا تحقيقاً معي طال تقريباً لأكثر من أسبوع، وقد طلبوا مني تفاصيل عن شكل القيادي ومن كان معه وأسماءهم وجنسياتهم وماذا يجري في اجتماعاتهم. كل هذه الأسئلة أجبتُ عنها، ثم بعد ذلك أرسلوني إلى أهلي عبر طائرة إلى أربيل. بعدها أجرت قوة من الأسايش تحقيقاً جِدَّ معقَّد معي وبشكل أكثر تفصيلاً استمر لأسبوعين تقريباً. ومن ثمّ أُفرجَ عني، حيث أعيش حالياً في أحد المخيمات في محافظة دهوك»، تختم الناجية.




يُعَدّ أبو معتز الذي أعلن تنظيم «داعش» وفاته في 13 تشرين الأول 2015 والمعروف أيضاً باسم «أبو مسلم التركماني» واسمه الحقيقي فاضل أحمد عبدالله الحيالي، «الرجلَ الثاني» في التنظيم، وعنصراً مهماً في الدائرة الأولى من القادة العسكريين حول زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. الرجل كان أحد أهم منسقي عمليات نقل الأسلحة والمتفجرات والسيارات والأفراد بين العراق وسوريا، وتولى مهمات قيادة السيطرة على مدينة الموصل.
وأثناء شرحها تفاصيل اختطاف الشقيقتين عمشة وشيلان وهروبهما من قبضة التنظيم، أكدت صديقة الناجيتين أن «الشقيقتين كانتا بدايةً أسيرتين عند قيادي في التنظيم عربي الجنسية يدعى أبو ليث، وبعدها بفترة بشهر تقريباً جرى بيعهما بمبلغ مالي ضخم للقيادي أبو معتز في وسط مدينة الموصل»، مشيرةً إلى أن الشقيقتين كانتا تذهبان لزيارة أقربائهما الإيزيديات في قضاء تلعفر بعد أن يأذن لهما أبو معتز بذلك، وفي إحدى الزيارات لتلعفر تمكنتا من الهروب بالاتفاق مع مهرّب نحو أربيل».