لم تَحُل الأجواء الودية التي اتسمت بها المباحثات الأميركية ـ الإسرائيلية، إزاء الوضع في سوريا، دون تبلور حالة من خيبة الأمل سادت تل أبيب جراء المباحثات المفصلية والمهنية التي أجراها الوفد الأمني الرفيع مع المسؤولين الأميركيين، كما أكد معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان.
مع ذلك، لا يعني فشل زيارة الوفد الاستخباري، أن تل أبيب ستسلّم بالضرورة بهذه النتيجة، بل ستواصل مباحثاتها واتصالاتها مع الطرفين الأميركي والروسي. وهو ما أكده مسؤولون في الوفد الذي عاد من واشنطن، بحسب «يديعوت»، بالقول إن «القضية بالنسبة إليهم لا تزال مفتوحة». ويعود الإصرار الإسرائيلي إلى الأهمية القصوى التي تحتلها هذه المسألة في أولويات وجدول أعمال صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب. إذ تتخوف من مفاعيل الانتصار الذي حققه محور المقاومة في سوريا، ومن تعاظم التهديد الذي تشكله الجبهة الشمالية، في سوريا ولبنان، في مواجهة أي حرب واسعة قد تنشب في المنطقة.
من هنا، لم تكتف تل أبيب بالتواصل مع واشنطن، بل قررت مواكبتها بمسار موازٍ مع موسكو يهدف إلى انتزاع ضمانات وتفاهمات تبدد الهواجس الإسرائيلية من الانتصار الذي حققه محور المقاومة في الساحة السورية.
وحول ذلك، أشارت «يديعوت» إلى أنه «من أجل محاولة التأثير في جبهة أخرى، تعتزم إسرائيل إرسال وفد مماثل إلى الكرملين، في محاولة للتأثير في الرئيس بوتين لمنع التوسع الإيراني في سوريا، كجزء من الاتفاق المتوقع». وضمن هذا الإطار، أيضاً، يندرج اللقاء المرتقب في مدينة سوتشي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس فلاديمير بوتين، بعد غد الأربعاء. وبحسب بيان ديوان رئيس الحكومة، سيتناول الزعيمان التطورات الأخيرة في المنطقة، وتحديداً القلق الإسرائيلي من اتفاق وقف النار في جنوب سوريا والتموضع الإيراني في سوريا.
هذا التزامن بين المسارين على الخطين الروسي والأميركي، يأتي ترجمة لخيار سياسي اجترحته القيادة الإسرائيلية للتعامل مع المستجدات التي تشهدها الساحة السورية، بدءاً من الانتصار الذي حققه محور المقاومة، بدعم الحليف الروسي، وصولاً إلى اتفاق وقف النار الذي رفعت تل أبيب الصوت اعتراضاً على ما ورد فيه. وبناءً على ذلك، تتكامل الخطوتان السياسيتان الإسرائيلية باتجاه الأهداف نفسها. ولكن ما يجعل للقاء في سوتشي خصوصية إضافية، أن موسكو باتت بنظر تل أبيب وأطراف اقليمية، مدخلاً إلزامياً لأي ترتيب سياسي ـ أمني على الساحة السورية.
لكن القلق والغضب الإسرائيليين، لا يقتصران فقط على الدور المتعاظم لحليف دمشق وصديق طهران، بل لكون الولايات المتحدة انكفأت عن سياسة التوثب والتهويل إزاء هذا الواقع. لذلك تنطلق تل أبيب في مخاوفها ومواقفها، من رؤية مفادها أن الاتفاق الروسي ـ الأميركي، المعلن، ليس إلا تسليماً أميركياً بالوقائع الميدانية في الساحة السورية، وانعكاساً لتبنّي خيار الرهان على التفاهم مع الطرف الروسي.
هذا الواقع السياسي ــ الميداني، المتشكل في الساحة السورية، أقلق صناع القرار ودفعهم إلى رفع الصوت على المستويين السياسي والمهني. تكفّل نتنياهو بالمهمة السياسية، وعلى المستوى المهني توجه وفد استخباري رفيع إلى واشنطن، برئاسة رئيس الموساد يوسي كوهين، وبمشاركة رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) اللواء هرتسي هليفي، ورئيس الهيئة السياسية الأمنية في وزارة الأمن زوهر بلطي، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي، إيتان بن ديفيد، وشارك في اللقاءات أيضاً السفير الإسرائيلي لدى واشنطن رون دريمر. وأجرى الوفد سلسلة لقاءات استمرت لعدة أيام، مع قادة أجهزة الاستخبارات الأميركية ورجال مجلس الأمن القومي ومبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط.

عمد المسؤولون
إلى عرض الوقائع على نحو موثق أمام نظرائهم الأميركيين

ولتنفيذ المهمة الملقاة على عاتقهم من قبل المستوى السياسي بإقناع الطرف الأميركي، عمد المسؤولون الاستخباريون إلى عرض الوقائع بنحو موثق أمام نظرائهم الأميركيين، بهدف التأثير في موقفهم. وفي هذا الإطار، نقلت «يديعوت أحرونوت» أن أعضاء الوفد أوضحوا للأميركيين قائلين: «لقد هرعنا إلى هنا للتحذير من نشر قوات حزب الله وإيران في سوريا، ولكي نوضح لكم بالضبط ما يحدث هناك. إذا لم يطرأ التغيير الملموس على نهجكم، وإذا لم تنخرطوا بنحو أكبر، وأكثر حزماً، وأكثر عدوانية - فإنكم ستتركون الشرق الأوسط للإيرانيين برعاية روسية». وبهدف التأثير في الموقف الأميركي، أكد مسؤولون كبار في أجهزة الاستخبارات، للصحيفة أن «الوفد الإسرائيلي قدم معلومات استخبارية حساسة وموثوقاً بها ومزعجة للغاية» تدعمها وثائق وصور تظهر صورة عن الانتشار الإيراني المتنامي في سوريا. وأيضاً بهدف ثني واشنطن عن تبني خيار ضرب تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، تأتي لفتة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إلى تراجع قوة هذه الحركات، في مقابل تنامي إيران وحزب الله في الساحة السورية. ويتساوق هذا العرض الاستخباري مع الموقف الإسرائيلي الرسمي الذي ينتقد ويحذر من خيار القضاء على «داعش» لكونه سيؤدي إلى تعزيز محور إيران – حزب الله في الساحة السورية. ولفتت «يديعوت» إلى أن عرض المواد الاستخبارية أمام الأميركيين أتى استعداداً للتسوية المتوقعة بين واشنطن وموسكو، التي من المفترض أن تضع حدّاً للقتال في سوريا.
لكن تل أبيب تدرك أن مطلبها يعني تغييراً جذرياً في التوجهات الخارجية الأميركية، وفي ضوء موازين القوى الاقليمية، سيؤدي تبني واشنطن للسقف المرتفع الذي تنادي به تل أبيب، إلى انزلاق نحو مواجهة كبرى في المنطقة، ويعني ذلك تورطاً أميركياً في الساحة السورية، ونسخة أخرى مشابهة للمستنقع العراقي، وهو ما تحرص على تجنبه الإدارة الأميركية الحالية، والتي سبقتها.
في هذه الأجواء، أوضحت «يديعوت» جانباً من النتائج التي خلص إليها الوفد، نقلاً عن أعضاءه الذين عادوا من واشنطن في نهاية الاسبوع، بالقول إنهم لاحظوا لدى الأميركيين «نوعاً من الارتباك وعدم وجود خط واضح واختلافات في الرأي لدى الإدارة حول طبيعة الاتفاق المقبل والاختلاف حول ما هو الصواب والخطأ في سوريا من أجل تحقيق الهدوء في المنطقة كلها». أما القناة الثانية، فرأت أنه «رغم العلاقات الوثيقة بين نتنياهو وكل من بوتين وإدارة ترامب، لم تستطع إسرائيل إقناع الدولتين العظميين بأمر أساسي، هو أنها لا تستطيع التسليم بوجود إيراني مستمر في الجولان، حيث يقوم الإيرانيون برعاية روسية، بتركيز سيطرتهم في سوريا». ولفتت القناة الإسرائيلية إلى أن تل أبيب تنظر بخطورة وقلق إلى التطورات التي تشهدها الجبهة الشمالية.
في المقابل، شدد بيرغمان، في مقالته في «يديعوت» على أن إسرائيل تخشى من نشر قوات إيرانية ومن حزب الله في الجولان، بهدف فتح جبهة أخرى مع إسرائيل في حالة اندلاع حرب شاملة. ولفت أيضاً إلى أن الجهات الاستخبارية عثرت على اسم لتلك الحرب، وأطلقوا عليها «الحرب الشمالية الأولى»، وينطلق هذا التقدير من مفهوم مفاده أنه في حال نشوب حرب أخرى في الشمال «ستشمل سوريا ولبنان معاً، بالتعاون مع القوات الإيرانية».
لكن ما يرفع من منسوب القلق في تل أبيب، بوجه خاص، أن تؤدي المشاكل الداخلية التي يغرق فيها الرئيس ترامب، والأزمة مع كوريا الشمالية، إلى قرار أميركي بعدم عرض عضلات أكثر من اللازم في سوريا، وبالتالي التراجع وترك إسرائيل تحت رحمة روسيا والنظام السوري وإيران وحزب الله.
ويقدرون في إسرائيل أن قوات حزب الله وإيران في سوريا ستتعاظم كثيراً إذا لم تفعل الدول الكبرى شيئاً لإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وأنه سبق لحزب الله أن بدأ في إقامة بنى تحتية لجمع معلومات استخبارية في الجولان. وفي ظل الغمغمة في الجانب الأميركي أكدت مصادر إسرائيلية، أن «إسرائيل، في كل الأحوال، تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها».