غزة | حالة شبه الفراغ السياسي في غزة، بين «حكومة ظل» تديرها حركة «حماس» ووزارات مشلولة تابعة لإمرة حكومة «التوافق الوطني» في رام الله، وضعت «سلطة جودة البيئة» في موقف ضعيف أمام وزارة الاقتصاد التابعة لإدارة «حماس»، فالوزارة تواصل سحب الرمال الصفراء المخصصة للبناء من مقالعها بصورة عشوائية من دون مراعاةٍ لنتائج ذلك، وخاصة أن دراسات سابقة حذّرت من تأثير سحب الرمال على المخزون الجوفي للمياه، الذي يعاني أصلاً استنزافاً شديداً بسبب تسرب مياه البحر إليه من جهة، وسرقة الاحتلال الإسرائيلي له من جهة أخرى.
وفضلاً عن محدودية كميات الرمال الصالحة لاستعمالها للبناء في القطاع (مساحته لا تتعدى 365 كلم مربعاً)، فإن نقصان الرمل سوف يمثل مشكلة في تغطية الحاجة العمرانية للسكان، وخاصة أن نذر مواجهات أخرى مع الاحتلال لا تزال قائمة، وهو ما يتبعه حتماً تزايد في نسبة إعمار ما قد يدمر، علماً بأن القطاع يستهلك 12 مليون متر مكعب سنوياً من الرمال لأغراض البناء.
وفي الحرب الأخيرة وحدها (2014)، دُمّر نحو أحد عشر ألف وحدة سكنية كلياً وفقاً لإحصاءات شبه رسمية، ومنذ ذلك الوقت تسير عملية الإعمار ببطء، لكن الاحتلال لا يزال يقنّن دخول مستلزمات البناء.

زادت معدلات الاستنزاف سرقة إسرائيل للرمال والطلب الكبير عليها

هذا الواقع كان يفترض بوزارة الاقتصاد أن تقنّن بدورها عملية سحب الرمال وفق الأولويات، لكن المدير العام لـ«المصادر الطبيعية» في الوزارة، عبد القادر بنات، يجيب بأن هناك توجهاً نحو استيراد الرمال من صحراء سيناء في حال تحسن العلاقات مع مصر، نافياً وجود «استعمال جائر للرمال» رغم وعود سابقة من «الاقتصاد» بالعمل على خطط تحد من استنزاف الرمال.
هذا الحديث يتناقض مع حديث أحد المالكين في مقلع خاص عن أن هناك «استخداماً جائراً للثروة الرملية لدرجة يصل فيها الاستخراج إلى الطبقات الطينية التي تعمل كفلاتر لمياه المطر قبل وصولها إلى المياه الجوفية». ويعزو هذا السلوك إلى «رغبة الوزارة في حصد الأرباح نتيجة الإقبال المتزايد على مسلتزمات البناء»، ولا سيما أن المقالع الخاصة حتى لو تملّكها صاحب الأرض لا يحق له التصرف فيها بحرية دون الحصول على ترخيص من الدائرة المختصة في وزارة الاقتصاد. لكن مالك المقلع لا يحصُل على نسبة كتلك التي تجنيها الحكومة.
بجانب ذلك، ارتفع سعر الإيصال المفروض من الحكومة (الإيصال قيمة ما يدفعه المقاول عن ثمن كل كوب لوزارة الاقتصاد) عن العام الماضي بنسبة 35%، ففي حين بلغ الإيصال في عهد السلطة الفلسطينية (حركة «فتح») 30 شيكلاً، فإن قيمته اليوم تعادل مئتي شيكل قبل أن تصل «نقلة» الرمل إلى المواطن بقيمة 450 شيكلاً مع احتساب المسافة التي تقطعها الشاحنة (100 دولار أميركي = 350 شيكلاً)، فيما لا تتكبد الحكومة تكاليف تشغيلية في مجمل هذه العملية.
ووفق إحصائية رسمية، يبلغ عدد المقالع 15 في جميع أنحاء القطاع، ما بين حكوميّة صافية، أهمها عند المنطقة الحدودية شمال غرب القطاع ومنطقة المواصي في خان يونس ومدينة الزهراء، جنوب ووسط القطاع، وأخرى يمتلكها أفراد. كما شهد العام الجاري زيادة في سحب الرمال، إذ بلغ متوسط الاستهلاك الأسبوعي 51 ألف كوب.
وكان الاحتلال الإسرائيلي يعمل على سرقة الرمال من المنحدرات شمال قطاع، في وقت تقول فيه وزارة الاقتصاد إنها لا تستطيع الآن مراقبة تلك المنحدرات. لكن هذا المشهد ككل، سرقة الرمال من جهة واستنزافها بشدة من جهة أخرى، يهدد بفقدان عنصر مهم من مستلزمات البناء في غزة بعد خمس سنوات تقريباً وفق تقديرات شبه رسمية.