بعد أكثر من شهر على كشف واشنطن وموسكو عن التوصل إلى اتفاق تهدئة في المنطقة الجنوبية في سوريا، أعلن أمس تفعيل مركز المراقبة المشترك الخاص بهذا الاتفاق، الذي يعمل في العاصمة الأردنية عمّان. وبرغم انتشار الشرطة العسكرية الروسية في عدد كبير من النقاط الفاصلة على جبهات درعا والسويداء والقنيطرة، لم يخرج إلى العلن أي تفاصيل رسمية للاتفاق، كذلك لم يتضح ما إذا كان بدء مراقبة الهدنة مرتبطاً بتنفيذ بنود الاتفاق الأخرى التي سُرِّب محتواها عقب إعلانه.
على الأرض، لا تغييرات جوهرية شهدتها الجبهات منذ يوم الهدنة الأول. وفي المقابل، اختتم ممثلو الفصائل المسلحة العاملة في الجنوب، اجتماعات شبه مستمرة منذ ما يزيد على شهر، ناقشوا خلالها تفاصيل تخص تطبيق الاتفاق. ونقلت مصادر أردنية عن بعض ممثلي الفصائل ما مفاده أن الاجتماعات لم تكن مخصصة للخروج بمقررات أو خطط عمل، وهو ما يوحي بأن انعقادها كان تكتيكاً من رعاة الاتفاق لضمان استقرار الهدنة في شهرها الأول.
وجاء الإعلان أمس عن إطلاق عمل المركز من طريق وزارة الدفاع الروسية، التي أوضحت أنه سيكون مسؤولاً عن «مراقبة وقف إطلاق النار في درعا والقنيطرة». كذلك «سيدعم عملية إيصال المساعدات الإنسانية» إلى تلك المناطق.

انتهت مشاورات للفصائل المسلحة في عمّان مع بدء نشاط مركز المراقبة
وبالتوازي، أفادت وزارة الخارجية الأردنية بأن المركز باشر عمله أمس «بمشاركة ممثلين عن الأردن وروسيا والولايات المتحدة». وترافق الإعلان الروسي مع تصريحات لوزير الدفاع سيرغي شويغو، قال فيها إن «اتفاقات تخفيف التصعيد التي وُقِّعَت، أنهت الحرب الدائرة» في سوريا. وبينما يمكن قراءة التصريح في ضوء اتفاقات الجنوب وغوطة دمشق وريف حمص الشمالي، يبقى وضع مدينة إدلب معلقاً حتى بيان مخرجات المشاورات الثلاثية الروسية ــ الإيرانية ــ التركية المرتقبة من جهة؛ والنشاط الأميركي الواسع في عواصم الجوار السوري خلال الأسبوع الجاري من جهة أخرى.
وجاءت زيارة وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس لأنقرة، ولقاؤه الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره نور الدين جانيكلي، في سياق تكريس الرؤية الأميركية تجاه عدد من القضايا الحساسة التي تشغل تركيا، وعلى رأسها علاقة واشنطن بالأكراد في سوريا. وبقدر ما حملت الزيارة من نقاشات حول مواضيع إقليمية ساخنة مثل الاستفتاء في كردستان، والتلميحات التركية إلى عمليات في سنجار وجبال قنديل، كان ملف تسليح «وحدات حماية الشعب» الكردية حاضراً فيها بدوره. ونقلت وسائل الإعلام التركي تصريحات أولية عن أردوغان وضيفه الأميركي، تضمنت تأكيدهما التعاون المشترك في مجال «مكافحة المنظمات الإرهابية»، وتحديداً تنظيم «داعش» و«حزب العمال الكردستاني». وأشارت إلى اتفاق الطرفين على ضرورة وحدة كل من العراق وسوريا، في مقابل قلق تركي أبداه أردوغان إزاء الدعم الأميركي لـ«الوحدات» الكردية. وكان لافتاً قبيل زيارة ماتيس لأنقرة ــ التي تزامنت مع الذكرى السنوية لبدء عملية «درع الفرات» ــ تأكيد أردوغان حول قضية الأكراد في الشمال السوري، أن بلاده «ستقوم بالتدخل الذي تمليه الضرورة، مهما كان الثمن».
وكان لافتاً خلال الأسابيع الماضية، أن الإعلام التركي المقرب من إدارة أردوغان، ضخ عشرات التقارير التي تتحدث عن دفعات الأسلحة النوعية التي تصل إلى الشمال السوري، وبينها أنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف، وعن خطط أميركية لوصل منطقة عفرين بالبحر المتوسط عبر محافظة إدلب واللاذقية. وبدا الزخم التركي مرتبطاً بتراجع التحرك على الأرض في محيط عفرين، الذي انخفضت وتيرته بعد زيارات أميركية لأنقرة، كان أبرزها للمبعوث الرئاسي إلى «التحالف الدولي» بريت ماكغورك. وبينما ربطت مصادر أميركية عدم تحرك تركيا في عفرين؛ بضغط أميركي لتأجيله إلى ما بعد انتهاء معركة مدينة الرقة، تبدو وتيرة العمليات داخل المدينة أبطأ من الخطط المرسومة لها من قبل «التحالف». وعلى الرغم من أن «قوات سوريا الديموقراطية» أعلنت سيطرتها على حيّ الرشيد، فإنها لا تبدو مندفعة لتسريع العملية العسكرية على قدر الجانب الأميركي، الذي صعّد غاراته بشكل كبير على أحياء المدينة، والتي ارتفعت معها أعداد الضحايا من المدنيين. وسيتيح انتهاء معارك الرقة للأميركي حرية أكبر في الشمال والشرق السوري، وسيساعده في إقناع «قسد» بالتعاون مع فصائل عربية محلية في معركة وادي الفرات الأوسط، بعدما فشلت المحادثات السابقة بين الطرفين في التوصل إلى صيغة للمعركة هناك.
وفي المقابل، يعزز الجيش مواقعه في ريفي حمص وحماة ضد «داعش». حيث تمكن من السيطرة على جبل ضاحك شمال السخنة، ليبقى ممر ضيق لمسلحي «داعش» نحو ريف دير الزور، بإمكان القوات البرية وسلاح الجو رصده واستهداف القوافل المارة عبره. كذلك، كثف ضغطه على «داعش» في الجيبين المتجاورين. وسيطر أمس على بلدة صلبا ومنطقة تل العلباوي شمال غرب عقيربات، إلى جانب سيطرته على قرى وبلدات حريف والعصفورية وروض الوحش وقطقط، وجبل المنشار في ريف حمص الشرقي.
(الأخبار)