مع اقتراب تاريخ 25 أيلول، تتحوّل أربيل إلى محجة للشخصيات الرفيعة المستوى، التي تزورها بغية الحديث إلى رئيس الإقليم مسعود البرزاني، والطلب إليه بلغات تتباين حدّتها، بوضع حد للاستفتاء المرتقب. ولعلّ واشنطن هي أبرز الداعين إلى التأجيل، تحت مبرر أنّ الاستحقاق «لا بد أن يؤثر سلباً بالحرب ضد داعش»، فيما تجدد أنقرة طلبها بإلغائه، وتنظر إليه مع طهران على أنه «خط أحمر».
وبينما قد يرى البعض أنّ مبرر واشنطن غير مقنع، نقلت صحيفة «جيروزالم بوست» عن الباحث في الشؤون الكردية شنغ سانيك، أنّ «هناك أجواءً تفيد بأنّ الأميركيين معنيون بالتأجيل، لأنّهم يعتقدون بأنّ إقامة الاستحقاق قبل الانتخابات العراقية العامة المرتقبة العام المقبل، ستقوّي الإيرانيين في العراق».
هدف «مواجهة إيران في العراق» تتشاركه إدارة الرئيس دونالد ترامب، وحلفاؤها الخليجيون، وبالأخص السعودية، إلا أنّ الأخيرة يبدو أنّ لها حسابات أخرى، خصوصاً أنها لم تعلن موقفاً صريحاً بعد. وبدا لافتاً في الأيام الأخيرة أنّ أنور عشقي، وهو الضابط السعودي المتقاعد الذي يُقال إنه يلعب دوراً على خط الرياض ــ تل أبيب، كتب قبل أيام على حساب باسمه في «تويتر» (يرجح كثرٌ أنه له، وليس وهمياً)، أنّ «استفتاء كردستان العراق بعد أربعين يوماً، يحقق لأميركا ورقة ضغط على إيران وتركيا، حتى لو أصبحا أصدقاء لها». وأضاف أنّ «زيارة البرزاني للرياض كزعيم ورئيس دولة منذ سنتين، قلبت الموازين... قطار كردستان انطلق، ولن يتوقف حتى يتحقق الاستقلال، ويجتمع شمل الأمة الكردية». وسبق لعشقي أن شدد قبل نحو عامين في معرض كلمة له في مركز بحثي أميركي، على «العمل لإنشاء كردستان الكبرى بالطرق السلمية، لأن ذلك من شأنه أن يخفف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية... إذ هي ستقتطع (مساحة) الثلث من هذه الدول».

تبدو واشنطن معنية بالتأجيل لاعتقادها أنه يُقوّي طهران راهناً

وبالعودة إلى التطورات في أربيل، فقبيل وصول وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس إليها أول من أمس، أعلن أنّ إدارته تشدد على «التركيز» راهناً على الحرب ضد «داعش»، فيما أوضح مبعوث الرئيس الأميركي في «التحالف الدولي» بيرت ماكغورك، أنّ «هذا ليس مطلب الولايات المتحدة فحسب، بل كل أعضاء التحالف، الذين يرون أنه ليس الآن وقت الاستفتاء».
والاستفتاء على «استقلال إقليم كردستان» غير مُلزم، وقد يُعدُّ من الجانب القانوني استطلاعاً لرأي سكان المحافظات الثلاث في الإقليم (أربيل، والسليمانية، ودهوك) وفي مناطق متنازع عليها مع بغداد، إلا أنّه يدخل في مسار يقود إلى انفصال الإقليم عن العراق في غضون أشهر قليلة. ومن المعروف أنّ هناك أطرافاً «كردية» ترفض بدورها إجراءه الآن، وتطالب بتأجيله، إذ إنها ترى أنّ «عائلة البرزاني» هي من ينظمه لـ«حسابات خاصة بنفوذها».
وفي مقابل موقف واشنطن، فإنّ البرزاني الذي دعا إلى هذا الاستفتاء برغم انتهاء ولايته الرئاسية في الإقليم منذ نهاية 2015، أشار في بيان أصدره عقب لقاء ماتيس، إلى أنّ «الاستفتاء ليس مسألة شخصية... ولن يشكل عائقاً أمام مكافحة الإرهاب»، مضيفاً في نقطة لافتة أنه «ينبغي طرح بديل أقوى من الاستفتاء».
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّه خلال لقاء ماتيس بمسعود البرزاني، فإنّ الأخير «لم يتراجع، برغم أنه أبقى الباب مفتوحاً لمزيد من المباحثات بهذا الخصوص مع كل من المسؤولين في بغداد وفي واشنطن». وأضافت أنّ بعض المسؤولين الغربيين «يعتقدون أنّ الإشارات تدل على أن الأكراد يبحثون عن طريقة لتفادي التصويت، بشكل يحفظ لهم ماء الوجه»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ «مسؤولين أكراداً يقولون إنّ البديل الوحيد الذي يمكن القبول به يتمثل بضمانات دولية رسمية باحترام نتائج استفتاء آخر يقام في المستقبل، أو ضمان الاعتراف بتطلعات الأكراد».
ومن المعروف أنّ جلسة مفاوضات أولى عقدت بين وفد كردي ومسؤولين في بغداد خلال الأسبوع الماضي. وبدا لافتاً أمس، أنّ اجتماع «المجلس الأعلى للاستفتاء» برئاسة البرزاني، انتهى إلى عدم الإشارة صراحة إلى رفض تأجيل الاستفتاء.
في غضون ذلك، وصل مساء أمس، إلى إقليم كردستان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، آتياً من بغداد، حيث أعلن من العاصمة العراقية أثناء مؤتمر صحافي عقده مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، أنّ «تطلعات تركيا من أربيل بسيطة وواضحة للغاية، وتتمثل في إلغاء الإقليم قرار الاستفتاء».
وبينما ذكّر الوزير التركي من بغداد، بالعلاقات الجيدة التي تجمع أنقرة بأربيل و«بالدعم الذي قدمته تركيا من تدريب وعتاد لقوات البشمركة لمكافحة تنظيم داعش»، استدرك قائلاً: «لكننا في الوقت نفسه أبلغنا أربيل بخطواتها الخاطئة، وأكدنا أن خطوة رفع علم حكومة الإقليم على المؤسسات الحكومية في مدينة كركوك وخلق وضع مخالف للدستور العراقي، كانت خطوة خاطئة، وهذا الوضع ينطبق أيضاً على قرار الاستفتاء». وقال: «اليوم عندما أقوم بزيارة أربيل، سأكرر وأقول إنه قرار خاطئ». وأشار جاويش أوغلو أيضاً إلى «ضرورة حل جميع المشاكل بين بغداد وأربيل من خلال الحوار والتفاهم المتبادل، وفي إطار وحدة التراب الوطني للعراق وحدوده الإقليمية»، مضيفاً: «نحن مستعدون للعب دورنا، إذا تلقينا طلباً من الطرفين، لإنهاء هذه المشاكل».
تحرك جاويش أوغلو في بغداد، الذي أعقبه لقاؤه بمسعود البرزاني في أربيل مساءً، وكان من المتوقع أن يلتقي أيضاً بزعيم حزب «الجماعة الإسلامية» في الإقليم علي بابير، تزامن وإعلاناً آخر صدر عقب لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، إذ جدد الرجلان معارضتهما للاستفتاء، وفق الرئاسة التركية.
على صعيد آخر، وفي سياق رفع مستوى التواصل بين رئيس الوزراء حيدر العبادي والرياض، استقبل الأخير في بغداد مساء أول من أمس، وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، الذي رافقه «وفد كبير من المسؤولين الحكوميين في الملفات الاقتصادية ورجال الأعمال»، وفق بيان صدر عن مكتب العبادي. وأكد القصبي وفق البيان «رغبة (بلاده) في الانفتاح الاقتصادي والتبادلات التجارية... وتصحيح المسارات السابقة».
(الأخبار)