دمشق | شهدت الأيام الأخيرة حرباً كلامية بين عدد من صناعيي سوريا، الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض لقرار اتخذته اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء، والذي اعتبر الأقمشة «مادة أولية»، تخضع للمرسوم (172) الخاص بتخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50% على تلك المواد. ورأت اللجنة أن هذه الخطوة تعكس جوهر المرسوم وسوف تدعم الإنتاج المحلي، وتحديداً صناعة الألبسة، لكنها نسيت أو تجاهلت أن قرارها سوف يكون له وقع كبير في أوساط مُصنّعي الأقمشة الذين يعمل أغلبهم في مدينة حلب.
وعدَّ رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وغرفة صناعة حلب فارس الشهابي، أبرز المهاجمين لهذا القرار وأكثرهم حدة في دفاعه عن صناعة الأقمشة. ومنذ اللحظات الأولى لصدور القرار، كتب عبر صفحته على «فايسبوك»، أن اللجنة الاقتصادية اتخذت هذا القرار رغم اعتراض اتحاد غرف الصناعة. وأوضح أن «هذا القرار الكارثي هو حتماً لمصلحة التجار المستوردين، وسوف يؤدي إلى إغراق الأسواق بالأقمشة الصينية المستوردة، في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة فيه إلى إعادة إطلاق صناعة النسيج العريقة والتي تتمثل بآلاف المنشآت التي كانت كلها تعمل وتصدر قبل الحرب!». ورأى أن من الممكن استيراد الأقمشة التي لا تصنّع محلياً، ولكن أن يعمم ذلك على كل الأقمشة «فهذا يعتبر تدميراً ممنهجاً لصناعة عمرها خمسة آلاف عام».

توسع الخلاف ليصفه البعض على أنه «حرب دمشقية ــ حلبية»

وأكد هذه الفكرة رئيس لجنة صناعة الخيط والأقمشة والصباغة في غرفة صناعة دمشق وريفها أسامة زيود، في حديثه إلى «الأخبار»، موضحاً أن اعتراضهم هو فقط على استيراد الأقمشة التي تُصنّع في سوريا منذ عشرات السنين، فهذه الخطوة «كأنها طلب من صانعي الخيوط والأقمشة بالتوقف عن العمل، وبالتالي انقراض هذه الصناعة لمصلحة الصناعة التركية»، وخاصة أن الكثير من التجار المعروفين يبيعون في الوقت الحالي بضائع تركية بأسعار منافسة، وهذا يدل على أنها دخلت عن طريق التهريب أي من دون دفع الرسوم والضرائب النظامية المقررة، والتي تبلغ بين 10% و30% على البضائع القادمة من تركيا أو ذات المنشأ التركي. ويضيف زيود بأنه فضلاً عن التهرب الضريبي، فغالبية هذه البضائع هي «ستوك» شركات سابقة، أي فضلات لشركات كبيرة، ما يجعل أسعارها منخفضة «لا يمكن حتى للشركة التي صنعتها منافستها، فكيف الحال مع المصانع السورية التي تعاني الكثير من الصعوبات في عملها؟». وبحسب زيود، فإن اعتبار الأقمشة مدخلات للإنتاج ومواد أولية ما هو إلا خطوة من قبل أصحاب هذا الرأي لتشريع التهريب.
ولفت إلى أن إصرار بعض مصنعي الألبسة على دخول الأقمشة عن طريق لبنان، في ضوء تأكيد عدة جهات اقتصادية أن لبنان لا يصنع الأقمشة، هو خطوة لتهريب أقمشة تركية المنشأ عن طريق لبنان بعد تغيير مكان تصنيعها، موضحاً أن «الدليل أن السوق يغرق بالبضائع التركية، رغم أن الجهات الحكومية المعنية تؤكد أنه لم يُسمح منذ ثلاث سنوات بإعطاء إجازة استيراد لبضائع قادمة من تركيا».
أما بالنسبه إلى قدرتهم على تلبية حاجة السوق واتهام مصنعي الألبسة لهم بعجزهم عن ذلك، فأوضح زيود: «بالأصل، لم يكن مسموحاً باستيراد الأقمشة في سوريا، وسُمح بها في زمن الحرب بسبب توقف الكثير من المعامل، ولكن الآن تغير الوضع وعادت منشآت كثيرة إلى عملها الطبيعي، وبالتالي يجب أن تعود القوانين كما كانت عليه قبل الحرب». ولفت إلى أنه «يجب أن نعلم ما هي الكمية والنوعية. وفي حال عجزنا عن تلبية الطلب فمن حقهم الاعتراض. في المقابل، يجب عليهم أن يحددوا عدد المعامل والورش المتخصصة بتصنيع الألبسة، وعدد العمال فيها وحاجتهم بالوزن والنوع للأقمشة». ويختم حديثه بالسؤال: «لماذا لا يسمح باستيراد الخيوط بأقل رسوم ممكنة؟».

«الإنتاج المحلي لا يكفي»!

على النقيض تماماً، وجد مصنّعو الأقمشة في القرار مساعدة لهم في عملهم ودعماً لمسيرتهم. ورأى الصناعي سامر قداح أن «تخفيض تكلفة مكونات الإنتاج سوف يسهم في إعادة دوران العجلة وفي تحقيق المنافسة مع الدول المجاورة. كما سيخفف عبء السعر على المستهلك والمستورد أيضاً». وشرح بأن «أسعار الأقمشة مرتفعة، فالكونتينر يحتاج إلى 9 ملايين ليرة كي يتم تخليصه جمركياً، ونضطر إلى استيراد بعض الأصناف التي لا يمكن تصنيعها في سوريا، فضلاً عن كون إنتاج الأقمشة المحلي لا يغطي حاجة السوق». ولفت إلى أن «مصنعي الألبسة لا يمكن أن ينتظروا دائماً مشاكل التأخير في تسليم الطلبيات»، مضيفاً أنه «في دمشق وجد أربع مصابغ فقط، في حين يوجد عشرة آلاف معمل لتصنيع الألبسة، وبالتالي كيف يمكن أن يأمنوا هذا الضغط».

جدل بين «صناعة دمشق» والشهابي

من جهتها، طالبت غرفة صناعة دمشق على لسان رئيسها سامر الدبس، بعدم رفع الأسعار الاسترشادية للأقمشة والخيوط، للحفاظ على صناعة الألبسة، وعدم رفع التكاليف الإنتاجية وخفض الأسعار. فجاء الرد على الفور من قبل الشهابي: «للأسف (غرفة صناعة دمشق) لا تمثل صناعيي الأقمشة في دمشق والذين تواصلوا معنا من أجل حمايتهم، والجميع يعلم أن حلب هي العاصمة النسيجية لسوريا... للأسف هناك مجموعة من مصنعي الألبسة في دمشق المتحالفين مع غرفة التجارة من أجل استيراد الأقمشة وزيادة الأرباح ولو على حساب موت الآخرين».
كلام الشهابي استجلب رداً من رئيس «لجنة صناعة الألبسة» أكرم قتوت، جاء فيه أن «الشهابي لا يملك معلومات كافية عما يتحدث به، وكل المعامل التي تنتج الأقمشة في دمشق وريفها، مجموع عمالها المسجلين في التأمينات الاجتماعية لا يتجاوزون 70 عاملاً، حتى إن بعض المعامل معظم عمالها عبارة عن سائقين ويعملون في مهنة العتالة». ليعود الشهابي، ويرد أن «هناك مستودعات أقمشة في جرمانا والمناطق المجاورة تحوي ما لا يقل عن 250 طناً، من أقمشة قطنية تنتظر دخول الأسواق. وبسبب تحرك الجمارك وتكثيف دورياتها، توقفت بانتظار شرعنة هذه البضائع. وهي موجودة أيضاً في منطقة الباردة وطريق الأشرفية... وكلها أتت عن طريق لبنان وذات شهادات منشأ مزورة».
وتوسعت الحرب الكلامية أكثر بين أطراف النزاع، حتى تحولت إلى ما يشبه التخوين أو الانقسام المناطقي مع توصيف البعض لها على أنها «حرب دمشقية ــ حلبية». إذ اتهم الشهابي، عضو مجلس الشعب وأمين سر اتحاد غرف التجارة، محمد حمشو، بالإساءة إلى حلب وأهلها من خلال تصريحاته.