غابت خلال الشهرين الماضيين ــ اللذين تليا إعلان الولايات المتحدة الأميركية وروسيا التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في المنطقة الجنوبية ــ حدّة المواجهات الديبلوماسية بين البلدين حول الملف السوري. وانعكس ذلك بدوره على الأطراف السورية المدعومة من واشنطن وموسكو، فغابت عن الجولة الماضية من محادثات جنيف الاتهامات العنيفة بين الوفدين الحكومي والمعارض. ومع التقدم المهم الذي حققه الجيش السوري خلال الأشهر القليلة الماضية، مستفيداً من هدوء الجبهات التي دخلت مظلة «تخفيف التصعيد»، بدا أفق المعارضة محصوراً في مبادرة «التوحيد» التي طرحتها السعودية ونالت رضى موسكو ومعظم الأطراف المعنية.
ومع فشل التجارب السابقة التي حاولت فيها منصات المعارضة اجتراح حلّ وسط من شأنه أن يضعها على طاولة واحدة مقابل الوفد الحكومي، بدت مهمة الرياض صعبة التحقيق، وسط خلاف حاد حول مصير الرئيس بشار الأسد. وقد تكون مطالبة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا المعارضة بالتحلّي بواقعية سياسية، أوضح إشارة إلى أن نقطة خلافها (المعارضة) حول مصير الأسد لا تتماشى والمكاسب التي يحققها الأخير على الأرض، والتي توزن في السياسة أيضاً.
كلام دي ميستورا، الذي لطالما ضمّن محتواه في تصريحات خلال مناسبات سابقة، أجّج غضب المعارضة المنكفئة، ولا سيما «هيئة التفاوض العليا»، نظراً إلى حساسية الوقت الذي جاء فيه. فهو تزامن مع صدور نتائج تحقيق لجنة أممية معنية بمتابعة ملف استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، تحمّل الحكومة السورية مسؤولية هجمات عديدة باستخدام أسلحة كيميائية خلال السنوات الماضية، ومن بينها حادثة خان شيخون في ريف إدلب.

حجاب: تصريحات المبعوث الأممي تعكس هزيمة الوساطة الأممية


نتائج التحقيق أثارت تساؤلات عديدة حول توقيتها، بعد مسار كان يفترض ضمنه أن تزور لجنة تحقيق مختصة سوريا لفحص المواقع المعنية بحادثة خان شيخون، ومن بينها مطار الشعيرات. ويمكن البناء على تلك النتائج للتيقّن من أنها جاهزة للتوظيف في الضغط على الحكومة السورية وحلفائها من باب جمع الخطوط الحمر لكل من باريس وواشنطن. المواقف التي خرجت عن العاصمتين أمس، التزمت صفة الشرطية، إذ أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده «ستكون منزعجة في حال كان الأسد يستخدم أسلحة كيميائية». وبالتوازي، أشارت وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنها تدقق في نتائج التحقيق، رداً على سؤال حول ما إذا كانت تلك النتائج تؤكد تجاوز «خط أحمر» وضعه الرئيس ايمانويل ماكرون، سابقاً.
ويرجح أن يقود التوظيف المتجدد لقضية الأسلحة الكيميائية إلى جولة جديدة من المناوشات الديبلوماسية على مسرح الأمم المتحدة، خاصة مع طلب المعارضة السورية عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لدراسة تقرير اللجنة، والعمل على تنفيذ توصياتها، ولا سيما «تفعيل المادة 21 من القرار الأممي 2118»، والتي تنص على ضمان التزام الأطراف المعنية بتنفيذ تلك التوصيات تحت الفصل السابع، الذي يتيح استخدام القوة العسكرية.
المطالب حملها رئيس وفد «هيئة التفاوض العليا» نصر الحريري، إلى العلن، عبر مؤتمر صحافي عقده للتعقيب على نتائج التحقيق وكلام دي ميستورا. وأوضح الحريري أن التصريحات الأخيرة للمبعوث الأممي «صادمة ومخيبة للآمال»، معتبراً أن «تجاهل» الأخير في إحاطاته أمام مجلس الأمن لمحاولات «العرقلة» التي يقوم بها الوفد الحكومي في محادثات جنيف، كان بمثابة «كرت أخضر للنظام». ورأى أن «من المؤسف أن نشاهد أن كلام دي ميستورا مطابق للأجندة الروسية... وهذا لا يتفق مع جوهر العملية السياسية، لكون مهمة الأمم المتحدة تقضي بحراسة تطبيق بيان جنيف»، مضيفاً أنه «لا يجوز للمبعوث الأممي التخلي عن التزاماته الأخلاقية والسياسية والقانونية... في تبنّي عملية سياسية حقيقية وفعالة من شأنها أن تحقق انتقالاً سياسياً، يبدأ برحيل بشار الأسد وزمرته». وقال إن «عملية جنيف تفقد مصداقيتها... لأن الاتجاه الحالي يتم التلاعب به، وخاصة من قبل روسيا».
وفي السياق ذاته، أشار المنسّق العام لـ«هيئة التفاوض»، رياض حجاب، في تغريدة على «تويتر»، إلى أن «تصريحات دي ميستورا تعكس هزيمة الوساطة الأممية في إنفاذ قرارات مجلس الأمن واحترام التزاماتها أمام المجتمع الدولي»، مؤكداً أن «الثورة السورية ماضية».
وفي مقابل الحدة التي أبدتها «هيئة التفاوض» تجاه دي ميستورا وموسكو، أعرب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، ألكسي بورودافكين، عن أمله في أن تستمر العملية السياسية عبر «عقد جولة جديدة من المحادثات في تشرين الأول المقبل وفق ما يخطط لها دي مستورا». وأضاف أن «وفد الهيئة لا يأتي إلى جنيف من أجل التوصل إلى حلول مشتركة وفق جدول أعمال المحادثات، بل يأتي لتكرار إنذاراته وطلباته غير الواقعية»، محذراً من أنه لا يمكن أن يستمر التفاوض ضمن هذا الإطار.
(الأخبار)