غزة | مهند غراب شاب كان يبلغ من العمر 22 عاماً ويعيش في قطاع غزة ذي المساحة الضيقة والكثافة السكانية العالية، كما لا يزال يعاني أهله ظروفاً اقتصادية واجتماعية خانقة بسبب حصار الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 11 عاماً. في هذه الظروف، ليس من المستغرب أن يكون للتفكير بالانتحار حيز كبير، فغراب، الذي أنهى حياته الأسبوع المنصرم، فعل ذلك بعد محاولتين للانتحار مطلع العام الجاري.
ويقطن غزة ما يزيد على مليوني نسمة في مساحة لا تتجاوز 365 كلم مربعاً، وسط ارتفاع في معدلات البطالة التي وصلت إلى ما يقارب 50%، فيما تزيد النسبة على 60% لجهة الذين يعيشون تحت خط الفقر، وكلها نسب أفرزت حالات اجتماعية وأسرية مفككة. هذه الأوضاع يرى فيها كثيرون أسباباً واضحة لازدياد حالات الانتحار في القطاع، التي وصلت إلى 17 حالة و80 محاولة في العام الماضي، 2016، مقارنة بـ 35 محاولة في 2015 انتهت خمس منها بالوفاة. أما العام الجاري، فرفضت الجهات المسؤولة في غزة، ومنها الشرطة، إعطاء إحصاءات رسمية بشأنه.
ويأتي رفض الشرطة إعطاء إحصاءات من باب أن ذلك سوف يتسبب في «خلق بلبلة داخل المجتمع وتأثير في الآخرين وتشجيعهم على الانتحار»، لكن المتحدث باسم الشرطة في غزة، أيمن البطنيجي، اكتفى بالقول إن حالات الوفاة والمحاولات في 2017 «شهدت زيادة عن العامين الماضيين». ومن رام الله، حيث حكومة «الوفاق الوطني» التي تحمّلها حركة «حماس» مسؤولية تدهور الأوضاع في القطاع أخيراً، أصدرت وزارة الصحة قراراً جديداً بإعفاء حالات محاولة الانتحار من رسوم علاجها، والعمل على رعايتها من الناحية النفسية فور وصولها إلى المستشفيات الحكومية ومتابعتها وفق الأصول القانونية.

رفضت الجهات الرسمية
إعطاء إحصاءات
عن عام 2017

بالعودة إلى قصة الشاب مهند، يروي أقرباؤه أنه عاش مع والدته بعد انفصالها عن زوجها الطبيب منذ كان يبلغ عاماً ونصف عام، ومن بعدها رفض والده احتضانه، كما واجه معاملة قاسية من عمومته أدخلته في حالة اكتئاب شديدة. يضيف خاله أسعد غراب أنه «رغم تفوق الشاب وحصوله على جوائز أدبية في كتابة القصص القصيرة، وقرب تخرجه في كلية الصيدلة، فإن نتيجة عشرين عاماً حاول فيها التقرب من والده، فيما كان الأخير يرفضه، دفعت به إلى الانتحار».
حالة مهند ليست الوحيدة في الشهر الماضي في غزة، بل سبقها انتحار شاب آخر بواسطة حبل شنق به نفسه في مخيم الشاطئ للاجئين، غرب غزة، بعد عجزه عن تسديد الديون المتراكمة عليه، فيما أقدم شاب (19 عاماً) في مدينة خان يونس، جنوب القطاع، على الانتحار بالطريقة نفسها.
وبجانب تحذيرات أممية من أن غزة لن تصلح للحياة عام 2020، رصدت إحصائية أصدرها «المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان» أن «40% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، فيما يتلقى 80% منهم المساعدات الإغاثية... وتواجه 73% من العائلات ارتفاعاً في حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي». كما أن مراكز حقوقية حذرت من «الارتفاع الدائم للجرائم والانتحار... ما يوجب انتشال المجتمع بأكمله من الكوارث التي تعصف به وضرورة تحرك السلطات الحاكمة من طرفي الانقسام والأجهزة الرسمية بصفتها المسؤول الرئيسي عما يحدث من أزمات».
الناشط في القضايا الاجتماعية وحقوق الإنسان محمد سرور، تحدث عن «أهمية اضطلاع المختصين في معالجة تلك المشكلات من منطلق إنساني واجتماعي بعيداً عن المعالجة الأمنية»، مضيفاً أن «انتشار الفساد وغياب الأمل لدى المواطن الفلسطيني، ولا سيما نحو أحلامه الوطنية، يزيدان الأزمة عمقاً». وقال: «الحكومة والمجتمع على حد سواء يغوصان في الحلال والحرام (الرأي الديني) من دون الغوص في أعماق المشكلة، وذلك رؤية سطحية ينجذب الرأي العام إليها ويذهب معها نحو ما تذهب إليه الأجهزة الحكومية».
أما في الضفة المحتلة، فثمة حالات انتحار أقل مقارنة بعدد السكان، إذ بلغت حالات الانتحار 18 شخصاً في 2015، بما فيها ضواحي القدس، من بين 442 محاولة كان الدافع النفسي السبب الأول فيها، كما كان الشنق الطريقة الأكثر استخداماً، وقد زادت حالات الانتحار في قرى الضفة عن مدنها، فيما كانت النسب في المخيمات أقل.