دمشق | لا يبدو أن المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد في حزيران الفائت، مجرد وعود على الشاشات الرسمية، إذ انتهى معرض دمشق الدولي تاركاً لوزارة التنمية الإدارية تجربة يذكرها فريق العمل عن جناح أُنشئ على عجل، كان هدفه استبيان آراء الناس وتعريفهم بالمشروع، عبر شبان وشابات تعتبرهم وزيرة التنمية الإدارية سلام السفاف، مقاتلين إصلاحيين من الشباب، وليسوا موظفين عاديين.
من منظور الوزيرة، فإن افتتاح المعرض شكّل «اللحظة الأولى في إرث الوزارة»، إذ إنها لم تعمل وفريقها على معارض من قبل، بحكم الحرب. وتقول في هذا السياق: «أنجزنا خلال المعرض زاوية تدريب وتأهيل مجانية. تواصل فريق العمل مع المواطنين مباشرةً حول خدماتنا التي نقدمها في قسم الاعتماد والتدريب ومنبر (صلة وصل). كنا نشرح للمواطن دوره في الإصلاح الإداري وفائدة المشروع».
وفي مكتبها، تتباهى الوزيرة بما يقارب 60 موظفاً تابعاً لوزارتها، آملة الوصول إلى رقم 100، بهدف تشكيل عصب حقيقي للوزارة المحدثة عام 2014. ابتسامتها لا تخفي صلابة وصبراً وحذراً في التعاطي مع الآخرين. وعلى الرغم من اتهام الوزارة بالبعد عن المواطن، الذي لا يصل إليه أثر أدائها باعتبارها معنية بالإدارة، فإن الفرصة أتت إلى الوزيرة بالتزامن مع إطلاق مشروع الإصلاح الإداري، الذي يأتي في صلب اختصاص وزارتها. لم يحقق سلَفها حسان النوري أي شهرة خلال عمله الوزاري، تضاهي شهرته كمرشح رئاسي عام 2014. غير أن إيمان الوزيرة واضح بالمشروع الإصلاحي، وهي تراه مستمداً من إيمان الرئيس الأسد ذاته بأهمية المشروع وضرورته. وإن كان البعض قد وجد في «الإصلاح الإداري» فرصة لتبييض الصفحات، فإن وزارة التنمية الإدارية ليست إلا خلية نحل تخدم المشروع في صلب بناه التنظيمية. وداخل المبنى، وضمن هذا المكتب تحديداً يمكن أن تلقى الإجابة عن أي سؤال استيضاحي حول المشروع.

«صدمة التحديث... هزّة المؤسسات»

«لا إصلاح جزئي يقود إلى تغيير نوعي»، تستهل الوزيرة حديثها مع «الأخبار» بهذه العبارة التي تختصر الواقع السوري الإداري. وتتابع: «إنها إصلاحات متراكمة ومتصل بعضها ببعض، نبدأها بخفة في البنى التنظيمية والإجراءات والأتمتة والقوانين والذهنيات والكوادر البشرية. إن لم يكن التحسن بمستوى واحد فلن يلمس أحد أثراً». فلماذا الآن؟ سؤال يطرحه الشارع بكثافة تجيب عنه السفاف بعناية: «هناك تحسن سياسي وعسكري، وسط استقرار للرأي العام. حتى إن الناس تأقلموا مع ضعف الخدمات خلال الحرب، ما ولّد لديهم صبراً إضافياً وقوة وأملاً بتغيير نحو للأفضل. الأزمة تنحسر. والعجلة الاقتصادية بدأت تدور في البلاد». إطلاق المشروع ليس أمراً عادياً، بحسب السفاف، بل جاء «كقرار سياسي حاسم وجريء وتاريخي يُعلَن لأول مرة وفق برنامج تنفيذي محدد، وسط عقلانية في الطرح، تقييس أداء المؤسسات عبر مخرجاتها من خدمات»، مضيفة أن «مخرجات هذه المنظومة تتعلق مباشرة بالمواطن المشارك في تقييم عمل المؤسسات، ما يتطلب قانوناً وبنىً تنظيمية وإجراءات تكفل تغيير آليات العمل الإداري». وتشرح أن «دول المنطقة المعافاة لم تجرؤ على خوض غمار مشاريع كهذا. حتى في الدول الأوروبية عندما يجرى تحديث على العمل المؤسساتي يسمونه (صدمة تحديث العمل المؤسساتي). إنها لحظة تاريخية يكمن اعتبارها (هزة) ضرورية للمؤسسات، بهدف استخراج طاقات وكوادر لتوظيفها ما بعد الحرب في مكانها السليم». ولا تنفي السفاف التكلس الحاصل في المفاصل الإدارية للدولة، بل تشير إلى توقف محاولات عمل مشابهة بلا أي أسباب موضوعية، ما قبل الأزمة، وسط بيئات إدارية سلبية لا يروقها التغيير، ومصالح شخصية من قبل البعض، منعت قبول معايير وضع الشخص المناسب وفق بطاقات توصيف وظيفي بناءً على المؤهل والشواغر.

منبر «صلة وصل» ومكافحة الفساد

مكافحة الفساد عنوان عريض وجذاب يتخلل مشروع الإصلاح الإداري. وترى السفاف أن تأسيس منبر «صلة وصل» ومركز دعم وقياس الأداء الإداري، المرتبط بالوزارة مباشرةً، هو صلب المشروع حالياً. وتشرح فكرة المنبر كنافذة إلكترونية للاستبيانات حول رضى الموظف والمواطن، في ما يخصّ مكافحة الفساد والخلل الإداري. وتبيّن ماهية الاستبيان المعتمد على توضيح شكاوى المواطنين، إن كانت حالات ابتزاز أو رشوة، أو حالات خلل وتقصير إداري، لتصل إلى الوزارة وفق قاعدة مبرمجة، يجري عبرها إشعار الجهة المعنية بكل شكوى. وتضيف الوزيرة السفاف: «كل ذلك له قاعدة نمذجة، وفق أسئلة لكل منها مستويات رضى، ولكل مستوى نقاط تقييم محددة، دون أي تدخل بشري إداري. أي مواطن يمكنه التسجيل عبر رقمه الوطني موصولاً بـIP، وسط إجراءات آمنة».

لا تنفي الوزيرة التكلس الحاصل في المفاصل الإدارية للدولة


العملية التي فصّلتها الوزيرة تسمح بإصدار توصيات وتقارير تقييم أداء عمل كل جهة حكومية. كذلك يمكن الاستدلال عبرها إلى مؤشرات الأداء القيادي، إذ يصدر كل عام تقريران، أحدهما يشمل أداء العمل المؤسساتي، وآخر عن مكافحة الفساد. وتبتسم بتفاؤل قائلة: «طموحنا الحالي الوصول إلى الاستغناء عن العنصر البشري في إجراءات القياس بنسبة 70%». تدرك الوزيرة شدة الاستعجال لدى الناس، وتتفهم مشروعية السؤال: «متى نلمس أثر الإصلاح الإداري؟». فتجيب: «أول مثال لأثر بسيط لدينا هو سحب وثيقة (غير موظف) من التداول، منعاً من العطالة الاقتصادية وتنظيم الدور والنقل واستنزاف موارد الدولة».

«مؤتمر الشباب الأول»

وليس بعيداً جداً عن المشروع الذي يشغل المسؤولين السوريين، فإن ما ينقص وزارة التنمية الإدارية بحسب وزيرتها، بيئة محفزة بدأت تتضح ملامحها ضمن حواملها الاجتماعية المعتمدة على الشباب والعاملين الإصلاحيين الأكفياء في المؤسسات العامة والمثقفون وقادة الرأي. وتعلن السفاف عن حدث قادم بعنوان «مؤتمر الشباب الأول للتنمية البشرية»، الذي سيعقد اليوم، ويستهدف المؤتمر الشباب عموماً، ومن بينهم المتخرجون الجامعيون الجدد، مستغلاً مشاركتهم لتعريفهم بالمشروع الوطني للإصلاح الإداري، بما يضم من مفردات كالتوصيف الوظيفي وخريطة الموارد وتحليل احتياج تدريبي. واللافت أن الوزارة استنفرت خلال الحدث لطرح جلسات المؤتمر ومحاوره على من يريد المشاركة بتقديم ورقة عمل، ليختار عنواناً ويسجله إلكترونياً، وفق آليات تتشابه مع ما شُرح سابقاً عن المشروع الإصلاحي. الوزارة أعلنت أخيراً اختيار 12 شاباً وشابة فقط من أصل 200 رغبوا بتقديم ورقة عمل، ليدير كل جلسة اثنان منهم على مدار يومين، في ظل إعلان منح جوائز لأفضل محاور وبحث وعرض. ويشمل المؤتمر تدريباً مجانياً، واستبيانات، وسبر توجه عام تجاه الوظيفة الحكومية وشكل المناهج، وخلق حواضن شبابية بهدف ربطها بالمؤسسات لخلق رضى ذاتي لديها.